(خ6) ‏هل  تأثر أهل السنة بإطلاق الشيعة قول (إمام) على جعفر الصادق، وعلى الغائب، وعلى الحسين، وأيضا على علي بن أبي طالب؟ ‏ولماذا لا نقول: الإمام أبو بكر الصديق، والإمام عمر، والإمام عثمان؟

أولا: كلمة إمام من جهة اللغة تعني المقصد، فأَمَّ الشيءَ قَصَدَه، فالإمام هو الذي يتوجه إليه الأمر ويقصده الناس، وهو الصدر في الأمور؛ فإمام الصلاة هو الصدر لأنه يصطف خلفه الناس، وإمام الفقه هو الصدر لأنه الذي يتحلق الناس حوله طلبًا لعلمه، وإمام الأمة هو الصدر لأنه يتصدر مجلس الحكم والفصل.
والصدارة هنا كلمة حيادية وليست مدحة طول الوقت، فقد تأتي الإمامة للصدارة في الشر، ولذا نقول: إمام عدل وإمام جور، وكلاهما إمام.
وقد جاء الاستعمال القرآني بالأمرين معا؛ ففي باب إمامة الهدى قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي ‌جَاعِلُكَ ‌لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾ [البقرة: 124]. وفي إمامة الشر قال تعالى: ﴿‌وَجَعَلْنَاهُمْ ‌أَئِمَّةً ‌يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ [القصص: 41].
فالإمام هو رأس الأمر خيرًا كان أو شرًّا.
ومع أن كلمة (إمام) قد وردت في القرآن بصيغة المفرد والجمع كما نقلنا من قبل، ووردت في السنة في أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم في أحد السبعة أصحاب الظل يوم القيامة «إمام عادل»، وكذلك وردت في التعبير عن المسئولية، في قوله: «فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته»، أقول على الرغم من جريان استعمالها في النصين إلا أنه لم يجر التوسع في استعمالها إشارة أو تمييزًا للأفراد، حتى من الصحابة، ومع أن عمر قد استدل على أحقية المهاجرين بالخلافة بقوله صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش» فإن سيدنا أبا بكر لم يستعمل لفظ الإمامة، واستعمل لفظ الخليفة، ومن بعده عمر استعمل لفظ الخليفة ووصف بإمارة المؤمنين، وكذا الحال مع سيدنا عثمان.
واقتصر استعمال لفظ الامام لإمامة الصلاة.
وغاية ما ورد فعلى سبيل الإشارة لا التسمية، وذلك كما في رواية عبيد الله بن عدي (أنَّهُ دَخَلَ علَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه -وهو مَحْصُورٌ- فَقالَ: إنَّكَ إمَامُ عَامَّةٍ، ونَزَلَ بكَ ما نَرَى، ويُصَلِّي لَنَا إمَامُ فِتْنَةٍ، ونَتَحَرَّجُ؟ فَقالَ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ ما يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فأحْسِنْ معهُمْ، وإذَا أَسَاؤُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ).
ثانيًا: بدأ التوسع في استعمال تسمية الإمام بعد فتنة استشهاد سيدنا عثمان، وكان هذا التوسع لأسباب سياسية وليس وصفًا دينيًّا، فقد نافس معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الخلافة، لا سيما في آخر الأمر، ما دعا البعض إلى إضافة زيادة تمييز لسيدنا علي بالنص على إمامته بمقابل دعوى معاوية، فارتبط اسمه بالإمامة دون سابقيه من باب السياسة الشرعية. وسيدنا علي قبل هذا الوقت لم يلقب بالإمام مع أنه كان مرشحًا للخلافة من بعض الصحابة وقت بيعة الصديق من المهاجرين والأنصار الذين ذهبوا ليبايعوا عليًّا رضي الله عنه، وهم العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، لكن عليًّا رضي الله عنه ردهم.
ثالثًا: في عهد الدولة الأموية ومع التوسع في الفتوحات وظهور جيل جديد من أتباع الصحابة وتلاميذهم، وبداية تمايز العلوم الإسلامية، بدأ التوسع في استعمال كلمة الإمام، وكان ذلك لبواعث منها التمايز ومنها التعصب، ومنها السياسي، ولم يكن هذا قصرًا على شيعة سيدنا علي رضي الله عنه، بل انسحب على غيرهم كأئمة بني العباس الذين كانوا يدعون للرضى من آل محمد جملة وليس العلوية فقط.
كما تنافس أهل الحجاز بتسمية علمائهم بالأئمة في مقابل أهل الكوفة والبصرة، وعلماء الشام ومصر.
ولما جاء عصر المذاهب استقر استعمال اللفظ للدلالة على رأس المذهب ومن يحمل المذهب من بعده، حتى إذا جاء القرن الثالث الهجري نجد أن استعمال مصطلح (إمام) قد استقر وشاع، ولم يصر حكرًا على مذهب أو طائفة، فصار الأئمة من أهل الحديث والفقه وعلم الكلام ورءوس الفرق، استوى في ذلك الشيعة والسنة، بل صار لفظ الإمامة يأتي مضافًا أحيانا، كما وقع مع الإمام أحمد الذي وصف بإمام أهل السنة، والإمام الماتريدي الذي وصف بإمام الهدى، والجويني الذي وصف بإمام الحرمين، وابن خزيمة الذي لقب بإمام الأئمة، وقابله إمام الزمان عند الشيعة.
وفي القرن الرابع استعمله جامعو القراءات السبع والعشر للإشارة إلى القُرَّاء العمدة بمقابل رواتهم، فكان نافع إمامًا بمقابل راوييه ورش وقالون وهكذا.
أما في العصور المتأخرة فقد صار اللفظ علمًا على كل مجتهد، وكل مصنف وكل شارح، وصار علمًا على الوظيفة كما في الإشارة إلى شيخ الأزهر الشريف بالإمام الأكبر، ويعتبر الشيخ محمود شلتوت هو أول من حمل لقب الإمام الأكبر.
وعليه: فلا تأثير شيعي في استعمال لفظ (الإمام)، بل هو مصطلح شائع ومشاع تطور مع الوقت بسبب تطور الدولة والثقافة والحضارة الإسلامية، مثله مثل مصطلح (شيخ) الذي تطور من الإشارة لمرحلة زمنية، إلى الإشارة لحالة علمية أو اجتماعية.
المفتي: د خالد نصر