(ت10)  ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ»؟

أولًا: وردت هذه الجملة في عدة روايات لحديث:
من رواية عبدالله بن مسعود
– «إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ».
– «أَيُّهَا النَّاسُ, إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبْعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ, وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبْعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ, وَإِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا, فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ, وَلَا يَحْمِلْكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ».
ومن رواية حُذيفة بن اليمان:
– «هَلُمُّوا إِلَيَّ: هَذَا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ جِبْرِيلُ، نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ».
ومن رواية جابر بن عبد الله:
– «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ»
والحديث رواه جمع من أئمة الحديث كالبيهقي وابن ماجه والحاكم وابن أبي شيبة وغيرهم، وهو صحيح بمجموع طرقه.
ثانيا: من جهة المعنى:
«وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» لقد فسر العلماء هذه الجملة على عدة معانٍ:
– أجملوا بمعنى: أحسنوا، فلا تدعوا الله وتطلبوا منه إلا بأحسن الوسائل، وعلى هذا تكون أفعل هنا بمعنى فعّل، وهاتان الصيغتان تأتيان لأغراض من المبالغة ومنها التعدية، فنقول: أمكنه ومكّنه، وهما بمعنى متقارب متراسل، وعلى ذلك يكون معنى «أجملوا في الطلب» أي: جمّلوه، وتجميله باتخاذ أسباب القبول.
– أجملوا بمعنى: اعتدلوا؛ فلا تغالوا فيما تطلبون، وهذا باب معروف في أبواب الرزق، فقل من يرضى بقسمته منه، فهدانا الحديث إلى الاعتدال فيما نطلب.
– أجملوا بمعنى: لا تفحشوا في الطلب، فتطلبوا رزقكم بغير ما شرع لكم، ويفسره ما بعده من بقية الحديث.
– أجملوا في الطلب بمعنى: ألا يطغى الطلب على غيره مما هو مقدم في الديانة، فلا نرابي كي نكسب أكثر من رزق البيع، ولا نغش ولا نخدع.
وبالمقابل أيضا لا يشغلنا الطلب عن أبواب الواجبات كالصلاة والزكاة والصوم وسائر الطاعات؛ لأن الرزق في النهاية مكفول.
هذه هي أهم التفسيرات التي وردت في هذه الجملة من الحديث، وأنا أضيف عليها الآتي:
– أن يكون الطلب بالإجمال أي الإحاطة لكل ما نريد فيه رزقًا؛ فالمال رزق، والعلم رزق، والولد رزق، والديانة رزق، والنبي يوجهنا إلى الإحاطة في كل أبواب الخير، فيكون للمسلم نصيب من كلٍّ.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر