(ت12) ما معنى كلمة النبي الأميّ؟

وردت كلمة (أمي) في القرآن في أكثر من سياق:
– قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الجمعة: 2].
– وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: 157-158].
وبتأمل السياق نجد أن تفسير (الأمي) على أنه الذي لا يقرأ ولا يكتب إجحاف بالنص وتغافل عن السياق، لا سيما إن أضفنا إليه ما ورد من مادة هذه الكلمة في القرآن؛ ففي الآية الأولى مثلا من سورة الجمعة نجد أن النص وصف من بُعث إليهم النبي بالأمية جملة {في الأميين} فهل كان هذا هو واقع حال العرب؟! أي الذين لا يقرءون ولا يكتبون. الجواب هو: لا؛ لأن التراث العربي يقول: إن بعض العرب كان يكتب ويقرأ ومنهم جل الصحابة الذين كتبوا الوحي للنبي عليه الصلاة والسلام، ومنهم أكثر بني أمية كان يقرأ ويكتب، ومنهم الشعراء.
– وعليه: فلا بد أن يكون معنى (الأميين) في الآية يقصد به شيء آخر، وهذا ما سنبينه.
وكذلك آية الأعراف تشير إلى اليهود والنصارى بدلالة: {يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} فوصف النبي بالأمية هنا التي هي بمعنى جهل القراءة والكتابة لا يخدم السياق، بل ينزل بقدر الرسول في مقابلة أهل الكتاب، لا سيما أنه سيأمرهم وينهاهم، ولا بد أن يكون معنى الأمي على غير الجهل.
• إذا رجعنا لسياق القرآن وكيف استعمل كلمة (أمي) نجد أن القرآن أشار إلى المقصود في سورة آل عمران، قال تعالى: { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران:75]. وقال تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران: 20].
فكلام اليهود عن (الأميين) لا يقصد به الذين لا يقرءون ولا يكتبون لأن بعض اليهود كان حالهم كذلك بل أكثرهم، وإنما قصدوا به ما اصطلح عليه بهذا اللفظ: وهم كافة الأمم غير اليهود، فاليهود أمة مختارة، وهم أبناء الله وأحباؤه -كما زعموا- وغيرهم أميون أي من أمة أخرى غير الأمة المختارة، فالنسبة هنا إلى الأمة وليست إلى الأمية، ويظهر هذا جليًّا في الآية الثانية: {لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ} على تقسيم اليهود والنصارى، فالقرآن يحكي حال الناس حين ظهر النبي: أهل كتاب: متعلمون وغير متعلمين. وأميون: متعلمون وغير متعلمين، فمن لم يكن من أهل الكتاب فهو ينسب إلى الأمم والأمة.
واليهودي كان لا يجيز لنفسه التعامل بالربا وأخذ المال بغير حق مع اليهودي ولكن يجيزه مع غيره من الأممية لا لسبب العلم والجهل ولكن لكونه من الأغيار.
جاء في التلمود: (إن الله لا يغفر ذنبًا ليهوديٍّ يردُّ للأمي ماله المفقود، وغير مصرَّح لليهودي أن يُقرِض الأجنبي إلا برِبا)، (من رأى أحد الأميين يقع في حفرة لزمه أن يسدَّها بحجر)، (يحرم على اليهودي أن يُنجي أحدًا من باقي الأمم من هلاك، أو يخرجه من حفرة وقع فيها).
فهذا ونظائره يشير إلى معنى كلمة أمي في السياق، ولو فسرناه بمعنى الذي يجهل القراءة والكتابة لقلنا بالتجاوز في القرآن؛ لأن من العرب من كان يكتب ويقرأ.
– وعليه: فكلمة (الأمي) في القرآن هي نسبة إلى الأمة التي هي غير أهل الكتاب لا نسبة لجهل القراءة والكتابة، والأمة هنا معناها عام ويشمل كل الناس، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سبأ: 28].
وهناك أمر آخر ورد في القرآن وهو أن الأمي الذي لا يحسن كلام غيره لا كلام نفسه وعشيرته، قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}[البقرة: 78].
وهؤلاء كما ورد في التفسير قوم تهودوا وكانوا يصلون مع غيرهم من اليهود ولا يفهمون ما يقولون، فالأماني هنا أوهام ومجازفات، وهذا حال كل من يجهل ثقافة أو لسان غيره، فالنبي صلى الله عليه وسلم قياسًا باليهود ولغتهم وتراثهم أمي، لا لكونه جاهلا بالقراءة والكتابة.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر