(ت18) يقال: إن سجدة سورة ص هي سجدة شكر وليست سجدة تلاوة، وإنه إذا سجد بها الإمام تبطل الصلاة لأنها ليست سجدة تلاوة. فهل هذا صحيح؟

أولا: بالنسبة لعدد سجدات التلاوة ومواضعها من القرآن، فقد اختلف العلماء في ذلك، وبيان ذلك على المذاهب هو الآتي:
مذهب السادة الأحناف: عدد سجدات التلاوة أربع عشرة سجدة، هي:
1- سورة الأعراف:
في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ [الأعراف: 206].
2- سورة الرعد:
في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الرعد: 15].
3- سورة النحل:
في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: 49-50].
4- سورة الإسراء:
في قوله تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 107 – 109].
5- سورة مريم:
في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: 58].
6- والأُولى من سورة (الحج):
في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج: 18].
7- سورة الفُرقان:
في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ [الفرقان: 60].
8- سورة النَّمل:
في قوله تعالى: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل: 25-26].
9- سورة (الم السجدة):
في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [السجدة: 15].
10- سورة فُصِّلت:
في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الليْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: 37 – 38]
11- سجدة سورة (ص) عند قوله تعالى: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ [ص: 24].
12- سورة النجم في قوله تعالى: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾ [النجم: 62].
13- وسجدة الانشقاق في قوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ﴾ [الانشقاق: 20-21].
14- وسجدة العلق في قوله تعالى: ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق: 19].
فأثبت الأحناف سجدة سورة ص وأسقطوا الثانية من سورة الحج.
مذهب المالكية:
وعدد السجدات عندهم إحدى عشرة سجدة فأسقطوا سجدة الحج الثانية وسجدات المفصل (النجم والانشقاق والعلق).
مذهب الشافعية :
وعددها عندهم أربع عشرة سجدة، ولكنهم أسقطوا سجدة سورة ص، وأثبتوا اثنتين في سورة الحج، المذكورة أعلاه وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77].
مذهب الحنابلة:
وعدد السجدات عندهم خمس عشرة سجدة، فأدخلوا سجدة سورة ص وسجدة سورة الحج الثانية.
ثانيا: بالنسبة لسجدة سورة ص:
فقد اختلف فيها العلماء؛ فذهب الجمهور من الأحناف والمالكية وبعض الشافعية ورواية عند أحمد أنها من سجدات التلاوة.
واستدلوا لذلك بما رواه البخاري بسنده عن العَوَّام بن حَوْشَب، قال: “سألتُ مجاهدًا عن سَجدة ص فقال: سألتُ ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْه: مِن أينَ سجدتَ في ص؟ فقال: أوَما تقرأ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ [الأنعام: 84] إلى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90]، فكان داودُ ممَّن أُمِر نبيُّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَقتدي به، فسجَدَها داودُ، فسجَدَها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وكذلك استدلوا بأن عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْه سجد فيها كما في مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة والمسند.
واعتبرها الشافعية ورواية عند الحنابلة سجدة شكر ولم يروا فيها السجود.
ثالثا: من سجد للتلاوة في سورة ص لا تبطل صلاته بحال سواء كان على مذهب الجمهور أو على مذهب غيرهم.
المفتي: د خالد نصر