لقد شغلت هذه الآية عقول العلماء من أهل التأويل وذهبوا فيها مذاهب، حتى إن القاضي السلمي الشافعي ألف فيها رسالة تحت عنوان “بذل الهمة في إفراد العم وجمع العمة”.
أما ما ورد في تفسير الإفراد والجمع فنختصره في الآتي:
١- قال ابن العربي في أحكام القرآن: “إن العم والخال عند الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز، وليس كذلك في العمة والخالة، وهذا عرف لغوي”.
ويرد على كلام ابن العربي الجمع في قوله تعالى: ﴿أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ﴾ [النور: 61]، وقوله: ﴿أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ ﴾ [النور: 61] فقد جاءت بصيغة الجمع وليس الإفراد للجنس كما ذكر .
٢- وقال أبو حيان: “وأفرد العم والخال لأنه اسم جنس”.
٣- وقال البقاعي في نظم الدرر: “ولما كان قد أفرد العم لأن واحد الذكور يجمع من غيره لشرفه وقوته وكونه الأصل الذي تفرع منه هذا النوع، عرف بجميع الإناث أن المراد به الجنس لئلا يتوهم أن المراد إباحة الأخوات مجتمعات فقال: ﴿وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ﴾ من نساء بني عبد المطلب.
ولما بدأ بالعمومة لشرفها، أتبعها قوله: ﴿وَبَنَاتِ خَالِكَ ﴾ جاريًا أيضًا في الإفراد والجمع على ذلك النحو ﴿وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ﴾ أي من نساء بني زهرة، ويمكن أن يكون في ذلك احتباك عجيب وهو: بنات عمك وبنات أعمامك، وبنات عماتك وبنات عمتك، وبنات خالك وبنات أخوالك، وبنات خالاتك وبنات خالتك، وسره ما أشير إليه”.
فالحكمة عند البقاعي أن الإفراد وقع مع العم لأنه أصل، والجمع وقع مع العمة للإشارة إلى انفراد الزواج ببنت عمة واحدة لا أن يجمع بينهن من نفس العمة، ويكون ذات الحكم منسحبا على العم أيضا، وكذا الحال مع الخال والخالات.
٤- وقال النيسابوري: “وإنما لم يجمع العم والخال اكتفاء بجنسيتها مع أن لجمع البنات دلالة على ذلك لامتناع اجتماع أختين تحت واحد، ولم يحسن الاقتصار في العمة والخالة لإمكان سبق الوهم إلى أن التاء فيهما للوحدة “.
ومعنى كلام النيسابوري أنه لو قال: (وبنات عمتك) لاحتمل الجمع بين الأختين أو الأخوات من العمة الواحدة، على حين أن ذلك لا يحتمل في العم، وهذا الكلام فيه نظر أيضا.
٥- وقال ابن كثير: “إنما قال ﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ﴾، فوحد لفظ الذكر لشرفه وجمع الإناث لنقصهن، كقوله: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ ﴾ [النحل: 48]، ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: 257]، ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام: 1] وله نظائر كثيرة”.
٦- وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: “وإنما أفرد لفظ (عم) وجمع لفظ (عمات) لأن العم في استعمال كلام العرب يطلق على أخي الأب ويطلق على أخي الجد وأخي جد الأب وهكذا فهم يقولون: هؤلاء بنو عم أو بنات عم، إذا كانوا لعم واحد أو لعدة أعمام، ويفهم المراد من القرائن. قال الراجز أنشده الأخفش:
ما برئت من ريبة وذم … في حربنا إلا بنات العم
وقال رؤبة بن العجاج:
قالت بنات العم يا سلمى وإن … كان فقيرا معدما قالت وإن
فأما لفظ (العمة) فإنه لا يراد به الجنس في كلامهم، فإذا قالوا: هؤلاء بنو عمة، أرادوا أنهم بنو عمة معينة، فجيء في الآية: عماتك جمعا، لئلا يفهم منه بنات عمة معينة. وكذلك القول في إفراد لفظ (الخال) من قوله: ﴿وَبَنَاتِ خَالِكَ﴾ وجمع الخالة في قوله: ﴿وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ﴾”.
وأقول:
أولا: إن العرب قد قدمت المذكر على المؤنث في الاستعمال وجعلت له ما ليس للمؤنث، من حيث العموم على الجنسين، والإشارة إلى جنس النوع واختصاصه بضمائر وجموع ليست للمؤنث.
وهذا الموضع منه.
ثانيا: إن الاستقراء يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يتزوج من بنات عمه إلا واحدة وهي أم هانئ بنت أبي طالب؛ لأن عميه حمزة والعباس كانا أخوين له من الرضاعة، وبناتهما بنات له من الرضاعة، فلم تبق إلا بنت عم واحدة، وكذلك ذكروا أنه لم يكن له إلا خال واحد.
ثالثا: أن التفسير متعلق بفهم العلاقة بين التركيب الإضافي في كلا المتقابلين (بنات عمك) (وبنات عماتك) ومثل ذلك في الأخوال.
وذلك أن بنات العم وإن تعدد الأعمام فإنهم يرتدون إلى رجل واحد، وهو أصل الأعمام، وكذلك بنات الأخوال فإنهم يرتدون إلى أصل واحد وهو أصل الأخوال.
أما بنات العمات وبنات الخالات فإنهم يرتدون إلى أصول متعددة إذ كل عمة متزوجة من رجل، وربما له أصل مختلف عن أصل زوج العمة الأخرى، وكذا الحال في الخالات.
قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا … بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فلما توحد الأصل في بنات العمومة والخئولة أفرد لفظ العم والخال، ولما احتمل التعدد في بنات العمات والخالات جمع.
المفتي: د خالد نصر
أما ما ورد في تفسير الإفراد والجمع فنختصره في الآتي:
١- قال ابن العربي في أحكام القرآن: “إن العم والخال عند الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز، وليس كذلك في العمة والخالة، وهذا عرف لغوي”.
ويرد على كلام ابن العربي الجمع في قوله تعالى: ﴿أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ﴾ [النور: 61]، وقوله: ﴿أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ ﴾ [النور: 61] فقد جاءت بصيغة الجمع وليس الإفراد للجنس كما ذكر .
٢- وقال أبو حيان: “وأفرد العم والخال لأنه اسم جنس”.
٣- وقال البقاعي في نظم الدرر: “ولما كان قد أفرد العم لأن واحد الذكور يجمع من غيره لشرفه وقوته وكونه الأصل الذي تفرع منه هذا النوع، عرف بجميع الإناث أن المراد به الجنس لئلا يتوهم أن المراد إباحة الأخوات مجتمعات فقال: ﴿وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ﴾ من نساء بني عبد المطلب.
ولما بدأ بالعمومة لشرفها، أتبعها قوله: ﴿وَبَنَاتِ خَالِكَ ﴾ جاريًا أيضًا في الإفراد والجمع على ذلك النحو ﴿وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ﴾ أي من نساء بني زهرة، ويمكن أن يكون في ذلك احتباك عجيب وهو: بنات عمك وبنات أعمامك، وبنات عماتك وبنات عمتك، وبنات خالك وبنات أخوالك، وبنات خالاتك وبنات خالتك، وسره ما أشير إليه”.
فالحكمة عند البقاعي أن الإفراد وقع مع العم لأنه أصل، والجمع وقع مع العمة للإشارة إلى انفراد الزواج ببنت عمة واحدة لا أن يجمع بينهن من نفس العمة، ويكون ذات الحكم منسحبا على العم أيضا، وكذا الحال مع الخال والخالات.
٤- وقال النيسابوري: “وإنما لم يجمع العم والخال اكتفاء بجنسيتها مع أن لجمع البنات دلالة على ذلك لامتناع اجتماع أختين تحت واحد، ولم يحسن الاقتصار في العمة والخالة لإمكان سبق الوهم إلى أن التاء فيهما للوحدة “.
ومعنى كلام النيسابوري أنه لو قال: (وبنات عمتك) لاحتمل الجمع بين الأختين أو الأخوات من العمة الواحدة، على حين أن ذلك لا يحتمل في العم، وهذا الكلام فيه نظر أيضا.
٥- وقال ابن كثير: “إنما قال ﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ﴾، فوحد لفظ الذكر لشرفه وجمع الإناث لنقصهن، كقوله: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ ﴾ [النحل: 48]، ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: 257]، ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام: 1] وله نظائر كثيرة”.
٦- وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: “وإنما أفرد لفظ (عم) وجمع لفظ (عمات) لأن العم في استعمال كلام العرب يطلق على أخي الأب ويطلق على أخي الجد وأخي جد الأب وهكذا فهم يقولون: هؤلاء بنو عم أو بنات عم، إذا كانوا لعم واحد أو لعدة أعمام، ويفهم المراد من القرائن. قال الراجز أنشده الأخفش:
ما برئت من ريبة وذم … في حربنا إلا بنات العم
وقال رؤبة بن العجاج:
قالت بنات العم يا سلمى وإن … كان فقيرا معدما قالت وإن
فأما لفظ (العمة) فإنه لا يراد به الجنس في كلامهم، فإذا قالوا: هؤلاء بنو عمة، أرادوا أنهم بنو عمة معينة، فجيء في الآية: عماتك جمعا، لئلا يفهم منه بنات عمة معينة. وكذلك القول في إفراد لفظ (الخال) من قوله: ﴿وَبَنَاتِ خَالِكَ﴾ وجمع الخالة في قوله: ﴿وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ﴾”.
وأقول:
أولا: إن العرب قد قدمت المذكر على المؤنث في الاستعمال وجعلت له ما ليس للمؤنث، من حيث العموم على الجنسين، والإشارة إلى جنس النوع واختصاصه بضمائر وجموع ليست للمؤنث.
وهذا الموضع منه.
ثانيا: إن الاستقراء يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يتزوج من بنات عمه إلا واحدة وهي أم هانئ بنت أبي طالب؛ لأن عميه حمزة والعباس كانا أخوين له من الرضاعة، وبناتهما بنات له من الرضاعة، فلم تبق إلا بنت عم واحدة، وكذلك ذكروا أنه لم يكن له إلا خال واحد.
ثالثا: أن التفسير متعلق بفهم العلاقة بين التركيب الإضافي في كلا المتقابلين (بنات عمك) (وبنات عماتك) ومثل ذلك في الأخوال.
وذلك أن بنات العم وإن تعدد الأعمام فإنهم يرتدون إلى رجل واحد، وهو أصل الأعمام، وكذلك بنات الأخوال فإنهم يرتدون إلى أصل واحد وهو أصل الأخوال.
أما بنات العمات وبنات الخالات فإنهم يرتدون إلى أصول متعددة إذ كل عمة متزوجة من رجل، وربما له أصل مختلف عن أصل زوج العمة الأخرى، وكذا الحال في الخالات.
قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا … بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فلما توحد الأصل في بنات العمومة والخئولة أفرد لفظ العم والخال، ولما احتمل التعدد في بنات العمات والخالات جمع.
المفتي: د خالد نصر