(ت22) انتشر مؤخرًا تفسير آية: ﴿‌وَإِنْ ‌تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38].  وانتشر ربط هذه الآية بازدياد النفوذ الإيراني في بلاد المسلمين ونصرتهم لأهلنا المستضعفين. الرجاء توعيتنا بما هو صحيح وما هو خطأ تمت إساءة فهمه. وما صحة الحديث الذي يذكر سلمان الفارسي وقومه كونهم المعنيين بقوله تعالى: ﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾؟ وهل يمكن ربط هذا بما يجري الآن أم أن الموضوع انتهى حينها؟

أولا: قوله تعالى: ﴿‌وَإِنْ ‌تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ جزء من آية في سورة محمد، والآية جاءت في سياق الحث على الإنفاق في سبيل الله نصرة لهذا الدين؛ قال تعالى: ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ‌وَإِنْ ‌تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾. و(في سبيل الله) هنا هو الجهاد ، كما هو شأن القرآن عند إطلاق هذا التركيب .
١- المقصود بقوله (هاأنتم هؤلاء):
قال مقاتل بن سليمان: (معشر المؤمنين). وقال الهواري (جماعة الناس). وقال الطبري: (يقول الله تعالى ذكره للمؤمنين). ومثل ذلك قال السمرقندي وابن عطية.
وقال الزمخشري وأبو حيان والسمين الحلبي: المقصود بهؤلاء هم المدعون وهؤلاء من جماعة من يقول بلسانه فقط .
٢- المقصود بقوله: (قوما غيركم):
ورد في توجيه هذا الجزء من الآية عدة توجيهات منها:
– هذه عامة في كل الناس، فمن يتولى عن الجهاد ونصرة الدين في كل زمان ومكان يذهب به الله ويأتي بغيره ينصر به الدين، ويكون المعنى هنا على العموم ، وهو الأليق بعموم النص القرآني.
– وذهب البعض إلى أن النص نزل في ناس مخصوصة نصرة واستبدالا، فقيل أنها نزلت في أهل مكة، واستبدل بهم أهل المدينة، وفيه بعد لأن الآيات مدنية.
– وقيل نزلت في غطفان وبني أسد وحنظلة لما تولوا استبدل بهم أهل النخع وكندة.
– وقيل: هي موجهة للعرب جملة، والذي يمكن أن يكون بديلا لهم هم العجم جملة.
– وقيل: الكلام للعرب والبديل هم الفرس، واستدل هؤلاء بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله؛ من هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا استبدلوا بنا ثم لم يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ سلمان ، قال: «هذا وأصحابه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا [معلقًا] بالثريا لتناوله رجال من فارس».
والصواب في هذا أن القاعدة في التفسير هي لعموم اللفظ، وهذا القرآن لم ينزل فقط لجيل الصحابة ولم يخاطب به العرب فقط، بل الخطاب لكل من آمن، والأوامر فيه ليست للعرب فقط، بل للجميع.
فلا يقال: إن النص نزل في العرب واستبدل الله بهم العجم؛ لأن العجم أيضا قد تنكص عن الإنفاق والجهاد، وهنا يأتي الله بقوم غيرهم، والمقصود أن كل من ينكص يمكن أن يزيله الله ويأتي بغيره، قريشا كان أو من باقي العرب، عربيا كان أو من باقي المسلمين.
ثانيا: من ينظر في التاريخ الإسلامي يجد قاعدة الاستبدال والإحلال هذه:
– فقد انتصر الإسلام بالعرب من المهاجرين والأنصار.
– ثم انتصر بجهود العجم من الفرس والترك والديلم والأكراد.
– ثم انتصر بجهود الأفغان في الشرق والبربر في المغرب الإسلامي والأندلس.
– ثم انتصر بجهود الإيجور والأتراك، بل والمغول.
– ثم عاد العرب إلى الصورة في صور متنوعة.
وهكذا هي دورات التاريخ .
والقاعدة الذهبية هي أن: (الإسلام بالعرب يبقى وبالعجم يقوى).
وأخيرا: فما تقوم به دولة الفرس في إيران في نصرة أهل فلسطين، عمل مشكور مقدر في هذا الظرف، وبغض النظر عن الدوافع السياسية والدينية، فهو عمل يذكر في تاريخ نضال هذه الأمة، لكن الجهاد الحقيقي هو جهاد العربي المسلم والمسيحي في أرض فلسطين، فلا إيران ولا تركيا ولا غيرها تقاتل الآن العدو الصهيوني، بل أهل الأرض وأهل الرباط، وكذلك أهل لبنان أهل الأرض وأهل الرباط، وهذا هو المقصود والمعني، فقد استبدل الله خيانة حركة فتح بصدق حماس والجهاد والجبهة الشعبية، واستبدل فعل حزب الله ورجالات وقته في سوريا بمن يحمل راية الإسلام في لبنان من حزب الله نفسه.
هذا هو الفهم الصحيح.
المفتي: د خالد نصر