أما الآية التي في سورة الإسراء فالأصل الذي يظهر لي أن كمال المعنى يقع بالنفي والاستثناء، والمعنى أنه لم يمنعهم من الاتباع إلا كون المرسل بشرًا مثلهم، وتصديق ذلك قول أبي جهل فيما رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” قال المغيرة بن شعبة: إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ فِيهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي جَهْلٍ بِمَكَّةَ، فَلَقِيَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَا الْحَكَمِ، هَلُمَّ إِلَى اللهِ وإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى كِتَابِهِ أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ». فقال: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا، هَلْ تريدُ إِلَّا أَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ، فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ. قال: فَانْصَرَفَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: واللهِ إني لأعلمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ، ولكنَّ بني قُصَيٍّ قالوا: فينا الحجابةُ، فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا القِرى، فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا الندوة، فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا السقاية، فقلنا: نعم، ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي! والله لا أفعل.
الأمر الثاني: أن تقدير (إلا) في آية الإسراء بـ(لكن) يفكك المعنى ويظهر الانفصال في السياق لأنك إن قدرت (ما) استفهامية في: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ} على تقدير: وأي شيء منعهم؟ يصير الوقف على: { إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى } والابتداء بما بعده.
ولكن يمكن أن نحمل (إلا) على هذا الوجه على الزيادة التي هي للتوكيد، ويكون المعنى كالآتي:
أي شيء منعهم من الإيمان حين جاءهم الهدى؟ ونبدأ الجملة قولهم: {أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا}.
ولزيادة الفائدة أقول: إن (إلا) تأتي على أربعة معانٍ:
١- الاستثناء وهو المشهور ومنه قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 249].
٢- بمعنى (غير) ومنه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] أي غير الله، ولا تحمل في هذه الآية على الاستثناء لفساد المعنى؛ لأنه سيكون: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا.
٣- أن تكون عاطفة بمعنى الواو كما في آية سورة البقرة: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[البقرة: 150].
٤- أن تكون زائدة للتوكيد.
وعليه فالأولى حملها على النفي والاستفهام.
أما الموضع الثاني وهو في سورة الكهف فنقول فيه مثل ما قلنا في موضع سورة الإسراء؛ قال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف: 55] لأنَّا إن قدرنا النصف الثاني من الآية جوابا على تقدير زيادة (إلا) لصار المعنى أنهم امتنعوا عن الإيمان لأنها سنة من سبق أو لحصول العذاب قبل البلاغ وهذا ممتنع لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}[التوبة: 115] وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}[القصص: 59].
ومع ذلك فقد نقل أبو حيّان عن بعضهم القول بالاستفهام في آية الكهف خاصة، ويكون التقدير هنا عطفا على الجواب المحذوف المقدر وهو ( كفرهم أو جحودهم)، وحذف المعطوف عليه مشهور في العربية.
وعلى العموم حمل الآية على النفي والاستثناء أبلغ وأفهم.
المفتي: د خالد نصر
الأمر الثاني: أن تقدير (إلا) في آية الإسراء بـ(لكن) يفكك المعنى ويظهر الانفصال في السياق لأنك إن قدرت (ما) استفهامية في: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ} على تقدير: وأي شيء منعهم؟ يصير الوقف على: { إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى } والابتداء بما بعده.
ولكن يمكن أن نحمل (إلا) على هذا الوجه على الزيادة التي هي للتوكيد، ويكون المعنى كالآتي:
أي شيء منعهم من الإيمان حين جاءهم الهدى؟ ونبدأ الجملة قولهم: {أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا}.
ولزيادة الفائدة أقول: إن (إلا) تأتي على أربعة معانٍ:
١- الاستثناء وهو المشهور ومنه قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 249].
٢- بمعنى (غير) ومنه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] أي غير الله، ولا تحمل في هذه الآية على الاستثناء لفساد المعنى؛ لأنه سيكون: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا.
٣- أن تكون عاطفة بمعنى الواو كما في آية سورة البقرة: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[البقرة: 150].
٤- أن تكون زائدة للتوكيد.
وعليه فالأولى حملها على النفي والاستفهام.
أما الموضع الثاني وهو في سورة الكهف فنقول فيه مثل ما قلنا في موضع سورة الإسراء؛ قال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف: 55] لأنَّا إن قدرنا النصف الثاني من الآية جوابا على تقدير زيادة (إلا) لصار المعنى أنهم امتنعوا عن الإيمان لأنها سنة من سبق أو لحصول العذاب قبل البلاغ وهذا ممتنع لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}[التوبة: 115] وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}[القصص: 59].
ومع ذلك فقد نقل أبو حيّان عن بعضهم القول بالاستفهام في آية الكهف خاصة، ويكون التقدير هنا عطفا على الجواب المحذوف المقدر وهو ( كفرهم أو جحودهم)، وحذف المعطوف عليه مشهور في العربية.
وعلى العموم حمل الآية على النفي والاستثناء أبلغ وأفهم.
المفتي: د خالد نصر