(ت9) ما الفرق بين الكلمات التالية في ضوء الآيات أدناها مع التفصيل في المعاني الخفية (يرى – ينظر – يبصر – يشاهد)؟ وهل المعنى موصول بين الآيتين: { وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}[الأعراف: 198] ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: 37]؟

أولًا: كلمة (رأى):
تأتي على معانٍ منها:
– رأى بمعنى علم ونسميها الرؤية العلمية أو الاعتقادية، وهي هنا تطلب مفعولين كما في قوله تعالى: { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا}[المعرج: 6-7].
– رأى بمعنى أبصر بالحاسة ونسميها الرؤية البصرية، ومثاله قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا}[الإنسان: 20] وهذه تطلب مفعولا واحدا.
– رأى المنامية أو الحلمية، كما في قوله تعالى: { إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]. وهذه تطلب مفعولين أيضا.
– رأى بمعنى القول والمذهب: ومنه قولنا: يرى الأحناف كذا، ويرى المالكية كذا، فهو من الرأي، وهذا يتعدى لمفعول واحد.
ثانيًا: كلمة (يبصر):
– الإبصار وهو إدراك الأشياء بالحاسة وهي العين، وهذا المعنى الأشهر والأكثر دورانا في القرآن؛ قال تعالى: { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم: 17]. وقال: { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ}[البقرة: 20]. ومنه قولنا: أبصر زيد عَمْرًا، أي رَآه بالعين، وهذه لا تقع إلا من المبصر.
– الإبصار وهو معرفة الأشياء بالفهم والاستنتاج ونسميه البصيرة، قال تعالى: { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ }[البقرة: 7]. مع أنهم كانوا يَرَوْن ويسمعون ولكنهم لا يفقهون. وقال تعالى: { بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}[القيامة: 14] أي يعلم عاقبة الأمور.
ثالثًا: (النظر):
– النظر وهو الرؤية بالحاسة، كما في قوله تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}[الأنعام: 99].
– والنظر بمعنى الإمهال، كما في قوله تعالى: { قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الأعراف: 14] أي أمهلني.
– والنظر بمعنى الرأي، فنقول: هذا صحيح في النظر وهذا ضعيف متروك.
– والنظر بمعنى حصول العلم والإدراك، قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا}[الإسراء: 48]. وهذه تقع للأعمى والمبصر.
رابعًا: (المشاهدة):
– الشهود بمعنى الحضور، يقال: فلان شهد بدرا أي حضر الوقعة، قال تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }[البقرة: 185].
– الشهود بمعنى العلم واليقين، قال تعالى: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ }[آل عمران: 18].
– الشهود بمعنى الرؤية، كما تقول: شاهدت زيدًا يلعب، قال تعالى: { وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ }[البروج: 7].
– الشهود بمعنى التحمل أو الأداء، ومنه الشهادة؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ }[المائدة: 106].
هذه هي أهم معاني الكلمات التي أوردها السائل، أما الفرق بين الكلمات الواردة في آية الأعراف: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} أما فاعل الرؤية فهو الناظر، وفاعل النظر هو الأصنام، وقد ورد الفعل {ينظرون} بالتشبيه البليغ وأصل الكلام: وتراهم كأنهم ينظرون إليك؛ لأن الأصنام وإن كانت حجارة فإنهم يصنعونها على هيئة الإنسان. وأما النفي بقوله {لا يبصرون} لينفي عنهم الأمرين معًا: الروية بالعين وإدراك الأشياء بالبصيرة؛ فالأصنام لا بصر ولا بصيرة، ولو قال: وتراهم ينظرون إليك وهم لا يَرَوْن، لربما قال قائل: حجبهم من الرؤية ما يمنع، كحال المنظور أو لعلهم ترفعوا عنه، ومع ذلك فهم يدركون، أما (لا يبصرون) فقد نفت تمام الإدراك لا بالعين ولا بغيرها، فهي إذن أبلغ من (يرى) هنا.
هذا، والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر