(ف 169) ما هي أحكام قَص الشعر وتقليم الأظافر على المذاهب الأربعة لمن أراد أن يضحي بدءا من دخول شهر ذي الحجة، إلى أن يضحي؟

أولا: الأصل في هذا الباب والذي أتى منه الاختلاف حديث أم سلمة الذي رواه مسلم وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ». فهل هذا النهي بقي أم نسخ بفعل النبي والصحابة على خلافه؟ وهل النهي للوجوب أم للندب؟ وهل يصح أن نعمل في أمر تعم فيه البلوى برواية لم يقع لها حد الاشتهار؟ ولماذا يمنع القص دون غيره مما يمنع على الحاج؟
ثانيا: اختلفت المذاهب الأربعة في هذه المسألة إلى ثلاثة آراء رئيسة:
١- جواز الحلق والقص وعدم تعلق الأضحية بأحكام الحج إذ هي فعل منفصل فيجوز للمضحي ما يجوز لغيره، وهذا هو رأي أئمتنا الأحناف، وهو الرأي عند المالكية؛ قال الإمام الأعظم رضي الله عنه: “لا يكره ذلك لأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظفار كما لو لم يرد أن يضحي”.
٢- قال الشافعية: إنه لا يحرم ولكنه يكره فقط إعمالا للحديث السابق وجمعا بينه وبين البراءة الأصلية وأنه ليس قطعيًّا في دلالته على الحرمة.
قال النووي في المجموع: “مذهبنا أن إزالة الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية مكروه كراهة تنزيه حتى يضحي”.
٣- مذهب الحنابلة أنه يحرم على المضحي أن يأخذ من شعره أو أن يقلم ظفره من أول ذي الحجة حتى يذبح.
قال ابن قدامة الحنبلي: “ومن أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئا، ظاهر هذا تحريم قص الشعر، وهو قول بعض أصحابنا، وحكاه ابن المنذر عن أحمد وإسحاق وسعيد بن المسيب. وقال القاضي وجماعة من أصحابنا: هو مكروه غير محرم”.
ثالثًا: الذي نرجحه هو مذهب سادتنا الأحناف وذلك للآتي:
١- أن النصوص متعارضة في هذا الباب فحديث أم سلمة المذكور فضلا عن أنه لا يؤيده الاشتهار مع عموم البلوى، فقد ورد ما هو أقوى منه عن السيدة عائشة قالت: “كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي”. فهذا أقوى وأعمل من رواية مسلم عن أم سلمة للآتي:
– أن السيدة عائشة أفقه من السيدة أم سلمة وأحفظ عنها وأقرب إلى النبي.
– أن السيدة عائشة روت عن النبي فعلا يصح أن ينسخ قوله السابق المروي عن السيدة أم سلمة.
– أن قول السيدة عائشة يدل على أن الحكم استمر حتى وفاته صلى الله عليه وسلم على حين أن رواية السيدة أم سلمة جاءت خالية من التحديد، وهذا نفيد منه في معرفة النسخ.
– أن رواية عائشة اتفق فيها البخاري ومسلم على حين انفرد مسلم برواية أم سلمة.
٢- ما أورده السادة الأحناف من أن المنع إذا كان لمشابهة الحاج في إحرامه فلا بد من منع الجماع ولبس المخيط أيضا، فلماذا يقتصر على الحلق وتقليم الأظفار دون غيرها من الممنوعات.
٣- أنه بفرض مشابهة المضحي للحاج فإن الحاج نفسه لا يمنع من الحلق والتقصير إلا حال إحرامه لا مدة العشر الأول من ذي الحجة، فكيف نكلف المضحي بأكثر مما نلزم به الحاج وهو الذي يكون محلًّا للحظر.
٤- أن في إلزام المضحي بعدم الحلق والتقصير إجحافًا به، وهو الذي يفعل الطاعة قياسًا بغيره ممن لا يضحي، فمن لا يضحي يجوز له كل شيء مع عدم غرمه، ومن يضحي يمتنع عليه الحلق والتقصير مع غرمه، وهذا لا يستقيم في الشريعة.
٥- أن منع الحلق وقص الأظافر مدة عشرة أيّام أو أكثر إن ذبح يوم الحادي عشر أو الثاني عشر فيه مشقة ومخالف لأمر الإسلام بالنظافة مع كونه يخالف ما أمرنا به يوم العيد من الاستعداد للعيد بالغسل والحلق وقص الأظافر إذ الذبح لا يكون قبل الصلاة.
فمن كل هذا يجوز للمضحي ما يجوز لغيره.
والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر