(ف129) ما حكم الاعتكاف في المسجد وفي العشر الأواخر من رمضان؟ وهل يمكن أن يعتكف الشخص من غير نوم؟ وما أقل الاعتكاف؟

الاعتكاف لغة هو: الحبس والمنع على الشيء: عكفت على الشيء عكوفًا، أي قعدت عليه؛ قال تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}[الفتح: 25] أي محبوسًا ومقصورًا.
وفي الشرع: هو البقاء في المسجد وقتا مخصوصًا بنيةٍ.
– أنواع الاعتكاف:
تنوعت أقسام الاعتكاف عند الأئمة على وجهين:
الأول: رأي الجمهور وعندهم الاعتكاف ينقسم إلى:
– واجب: وهو الاعتكاف المنذور كأن ينذر المرء أن يعتكف في المسجد مدة معينة فيتوجب عليه الفعل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة عند البخاري وغيره: « من نذر أن يطيع الله فليطعه».
– المندوب أو المسنون: وهو ما عدا الواجب سواء كان في رمضان أو في غيره.
وإن اختلفت أحكامهم عليه:
فالشافعية جعلوه سنة مؤكدة في كل الأوقات، والحنابلة جعلوه مندوبًا في كل الأوقات ومؤكدًا في رمضان وآكد في العشر الأواخر.
الثاني: رأي السادة الأحناف وهم يقسمون الاعتكاف إلى ثلاثة أنواع:
الواجب: وهو عندهم كما عند الجمهور.
السنة المؤكدة الكفائية: وهو اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.
المندوب: وهو اعتكاف باقي الأوقات.
والنوع الذي زاده الأحناف هنا يشبه ما عند الشافعية والحنابلة إلا أنهم قالوا: إنه لا بد لبعض المسلمين أن يقوموا به، فإن قام به البعض سقطت الكلفة عن الجميع، وإن لم يعتكف البعض وقع اللوم على الجميع.
وشرطه العشر الأواخر وأن يكون الاعتكاف متصلا فإن انقطع تحول إلى الاعتكاف المندوب.
ودليل السادة الأحناف مداومة النبي عليه الصلاة والسلام عليه، ومنه:
– حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كلِّ رمضان عشرة أيام فَلمّا كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يومًا).
وعليه: فالاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة عند الجمهور وسنة مؤكدة كفائية عندنا في المذهب.
بالنسبة للجزء الثاني من السؤال عن أقل مدة الاعتكاف والاعتكاف من غير نوم.
أقول: اختلف السادة العلماء في أقل مدة الاعتكاف عمومًا إلى آراء:
الأول: وهو رواية عند الأحناف وبعض المالكية ورواية عند الشافعية أن أقل مدة للاعتكاف يوم، ودليلهم أنه لم يرد أن النبي اعتكف أقل من هذه المدة.
الثاني: أن أقل المدة هو يوم وليلة، ودليلهم مثل الدليل السابق إلا أنهم أدخلوا الليل مع الْيَوْمِ، وهذا هو رأي المالكية في رواية عنهم، وإن كان لهم رواية أخرى.
الثالث: أن أقل مدة الاعتكاف عشرة أيّام، وهو الرأي الثالث عند المالكية.
الرابع: أن أقل مدة للاعتكاف هو لحظة معتبرة، وهذا رأي الجمهور.
وعن محمد بن الحسن أنه كان يقول: من دخل المسجد فله أن ينوي الاعتكاف مدة بقائه فيه ولو كان للصلاة.
أما مسألة النوم فهي فرع عن الخلاف السابق؛ فمن اشترط المدة صار المكث ركنًا بحسب المدة، ومن لم يشترط صح اعتكافه بغير نوم كأن يدخل المعتكف قبل المغرب ويخرج منه بعد الفجر فيحسب له اعتكاف ليلة.
المفتي: د خالد نصر