(ف130) سؤال عن امرأة مسلمة تقدم لها زميل عمل غير مسلم، أخبرته أن زواجهما مستحيل إلا أن يدخل الإسلام، توجه الرجل إلى المسجد وتشهد الشهادتين، وبعد ذلك، لم يأت بأي شيء من لوازم الإسلام، فلم يصل، ولم يصم، ولم يمتنع عن المحرمات، ظل كما كان قبل نطقه بالشهادتين. هل هذا الزواج صحيح؟ وهل هذا الرجل يعد مسلما لمجرد نطقه بالشهادتين؟

أولا: يجب أن نفرق بين أمرين: الحكم قضاء، والحكم ديانة:
والفرق أن الأمر قد يثبت في القضاء أي في أحكام الدنيا، ولا يثبت في الديانة، أي عند الله، وقد يقع ديانة، ولا يقع قضاء.
ومثال ذلك: من طلق ثلاث طلقات وأنكر وقوع الطلاق ثلاثًا، ولا برهان على الثلاث إلا قوله، فالحكم هنا قضاء على قوله فلا تكون امرأته مبتوتة، ولكنه عند الله كاذب وامرأته مبتوتة.
ونحن في التعاملات بين الناس محكومون بحكم القضاء (ليس مقصودًا به حكم القاضي، بل ما يمكن إثباته بالدليل أو القرينة).
ثانيًا: الأصل في التحول للإسلام أن يقع بالقضاء والديانة معا، فمن وقع إسلامه قضاء ولم يقع ديانة، فهو مسلم ولكنه منافق، بمعنى أن له في الدنيا أحكام الظاهر، والله يتولى أمره في الآخرة.
ومن وقع إسلامه ديانة فقط، فالأصل أيضا أن نستصحب له حكم الظاهر فيعامل معاملة الكافر، حتى يقع له الإسلام بالقضاء، إذ لا سبيل لمعرفة ما بينه وبين الله، فلا يزوج من بناتنا، ولا يُورَث ولا يورَّث، ولا يدفن في مدافن المسلمين، وغير ذلك من أحكام الدنيا، مع أنه قد يكون من أهل الجنة في الآخرة.
والدليل على ذلك أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لم يكفر عبد الله بن أبي ابن سلول ولا طائفته؛ لأن حكمه قضاء حكم المسلمين، حتى نزل القرآن وفضحه. وكذلك ما رُوي عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوق غنمًا له، فسلم عليهم فقالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا. فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[النساء: 94] ، فحكم له بالإسلام قضاء.
وكذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبَّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، قال: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله. قال: فكفَّ عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لي: «يا أسامة، أقتلْتَه بعد ما قال: لا إله إلا الله؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، قال: فقال: «أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟» قال: فما زال يُكرِّرها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم).
وقد حكم له بالإسلام قضاء، وظاهره أنه كان يتقي القتل؛ لأننا معلقون بأحكام الدنيا.
وعليه: فقد دخل الرجل الذي نطق بالشهادتين الإسلام بمجرد نطقه قضاء، وتعلقت به أحكام الإسلام، فصح عقده على تلك الفتاة بهذه الصفة، ولا يؤثر ما يلي العقد بالعقد، فنحن نحكم بالحال لا بالمآل. فالعقد صحيح قضاء، وعلمه عند الله ديانة.
أما كونه قد انصرف عن شعائر الإسلام أو عن بعضها، فهذا أمر لاحق لا يؤثر في صحة العقد، وإن كان يؤثر في استمرارية الزواج.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر