أولًا: صوت المرأة ليس بعورة مطلقًا، ولا يصح أن نطلق هذا الحكم على العموم، والذي يُمْنَعُ من صوت المرأة هو الخضوع بالقول، وهو استعمال الصوت بتكسر يثير شهوة السامعين، فهذا يمنع لهذه العلة فقط.
أما إذا كانت المرأة تتحدث على طبيعتها ودون ترقق وتكسر، ولا بألفاظ تثير الشهوات فصوتها لا حرج فيه، والأدلة على ذلك ما يلي:
– قوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[الأحزاب: 32]. فالنهي عن الخضوع في القول لا عن مطلق القول بدليل قوله: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}، فكيف يكون قول دون أن يسمعه الآخرون؟!
– قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب: 53] فنهى عن الاطلاع ولم ينه عن السؤال والكلام.
– ومن السنة ما رواه مسلم بسنده أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ».
وقد كان مع رسول الله في هذا المجلس سيدنا بلال بن رباح، ولم يقل لها النبي أن كلامها عورة أمام الرجال، والقاعدة الفقهية تقول أنه: (لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة).
– ومنها أيضا ما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ( قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها). وهل تقع الزيارة بغير كلام.
– ومنه أحاديث كثيرة تذكر كلام النساء بحضرة الرجال كحديث الواهبة، وحديث عدة فاطمة بنت قيس وغيرها من الوقائع.
– وفعل الصحابة رضوان الله عليهم.
ثانيا: آراء المذاهب في مسألة صوت المرأة :
الرأي الأول: أن صوت المرأة ليس بعورة، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في الجملة، وهو ما عليه أئمتنا في المذهب من حيث أصل الصوت، وهو ما عليه نعول.
الرأي الثاني: أن أصل الصوت ليس بعورة، وإنما الممنوع هو نغمة الصوت، أي تنغيمه على غير طبعه في مألوف الكلام كما تفعل بعض النساء إذا أرادت أن تترقق أو تتحزن أو تضحك بنغمة معينة.
وهذا هو رأي أئمتنا الأحناف في الجملة، كما حققه غير واحد كابن نجيم في الأشباه، وابن عابدين في الحاشية، قدس الله أسرارهم.
الرأي الثالث: أن صوت المرأة العادي ليس بعورة، وإنما العورة في رفع الصوت عن المألوف كالصراخ والزعيق وغيرهما، وهذا اختيار أبي الوفاء ابن عقيل من الحنابلة، ووافقه ابن تيمية رحمهما الله.
الرأي الرابع: أن صوت المرأة عورة وإلى ذلك ذهب بعض العلماء كالجصاص من أئمتنا وبعض المالكية وأبي منصور البهوتي من الحنابلة واستدلوا بالآتي:
– قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}[النور: 31] قالوا: لما نَهَى عن صوت الخلخال لمظنة الفتنة فصوت المرأة أولى.
– وكذلك استدلوا بحديث: «المَرْأَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ وَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا شَيَطَانٌ».
ولا يخفى ما في الاستدلال من ضعف؛ لأن الخلال من أدوات الزينة أما الصوت فطبيعة وجبلة لا فرق بينه وبين العين والأذن، وهو أداة التواصل بين المخلوقات.
والحديث أيضا ليس له عموم بدليل الأدلة الأخرى التي ذكرناها وفيها كلام النبي مع النساء، وكلام الرجال مع النساء، وكلام أمهات المؤمنين، كما أن جهة الخطاب في الحديث للرائي لا المرأة في ذاتها.
وعليه: فصوت المرأة ليس بعورة في العموم.
ثالثًا: صوت المرأة في قراءة القرآن :
لم يأتِ دليل خاص يمنع المرأة من قراءة القرآن، وإنما الأصل العام هو ما ذكره السادة العلماء من كراهة صوت المرأة إذا احتوى على تليين وتنغيم يثير الشهوة من جهة الرجال.
الأمر الثاني: أن صوت الرجال في قراءة القرآن للنساء لا يمنع، وقراءة القرآن من المرأة للمرأة لا يمنع، فلماذا يمنع صوت قراءتها مع الرجال؟!
فالقول بأن صوت المرأة في قراءة القرآن عورة ليس عليه دليل.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر
أما إذا كانت المرأة تتحدث على طبيعتها ودون ترقق وتكسر، ولا بألفاظ تثير الشهوات فصوتها لا حرج فيه، والأدلة على ذلك ما يلي:
– قوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[الأحزاب: 32]. فالنهي عن الخضوع في القول لا عن مطلق القول بدليل قوله: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}، فكيف يكون قول دون أن يسمعه الآخرون؟!
– قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب: 53] فنهى عن الاطلاع ولم ينه عن السؤال والكلام.
– ومن السنة ما رواه مسلم بسنده أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ».
وقد كان مع رسول الله في هذا المجلس سيدنا بلال بن رباح، ولم يقل لها النبي أن كلامها عورة أمام الرجال، والقاعدة الفقهية تقول أنه: (لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة).
– ومنها أيضا ما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ( قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها). وهل تقع الزيارة بغير كلام.
– ومنه أحاديث كثيرة تذكر كلام النساء بحضرة الرجال كحديث الواهبة، وحديث عدة فاطمة بنت قيس وغيرها من الوقائع.
– وفعل الصحابة رضوان الله عليهم.
ثانيا: آراء المذاهب في مسألة صوت المرأة :
الرأي الأول: أن صوت المرأة ليس بعورة، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في الجملة، وهو ما عليه أئمتنا في المذهب من حيث أصل الصوت، وهو ما عليه نعول.
الرأي الثاني: أن أصل الصوت ليس بعورة، وإنما الممنوع هو نغمة الصوت، أي تنغيمه على غير طبعه في مألوف الكلام كما تفعل بعض النساء إذا أرادت أن تترقق أو تتحزن أو تضحك بنغمة معينة.
وهذا هو رأي أئمتنا الأحناف في الجملة، كما حققه غير واحد كابن نجيم في الأشباه، وابن عابدين في الحاشية، قدس الله أسرارهم.
الرأي الثالث: أن صوت المرأة العادي ليس بعورة، وإنما العورة في رفع الصوت عن المألوف كالصراخ والزعيق وغيرهما، وهذا اختيار أبي الوفاء ابن عقيل من الحنابلة، ووافقه ابن تيمية رحمهما الله.
الرأي الرابع: أن صوت المرأة عورة وإلى ذلك ذهب بعض العلماء كالجصاص من أئمتنا وبعض المالكية وأبي منصور البهوتي من الحنابلة واستدلوا بالآتي:
– قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}[النور: 31] قالوا: لما نَهَى عن صوت الخلخال لمظنة الفتنة فصوت المرأة أولى.
– وكذلك استدلوا بحديث: «المَرْأَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ وَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا شَيَطَانٌ».
ولا يخفى ما في الاستدلال من ضعف؛ لأن الخلال من أدوات الزينة أما الصوت فطبيعة وجبلة لا فرق بينه وبين العين والأذن، وهو أداة التواصل بين المخلوقات.
والحديث أيضا ليس له عموم بدليل الأدلة الأخرى التي ذكرناها وفيها كلام النبي مع النساء، وكلام الرجال مع النساء، وكلام أمهات المؤمنين، كما أن جهة الخطاب في الحديث للرائي لا المرأة في ذاتها.
وعليه: فصوت المرأة ليس بعورة في العموم.
ثالثًا: صوت المرأة في قراءة القرآن :
لم يأتِ دليل خاص يمنع المرأة من قراءة القرآن، وإنما الأصل العام هو ما ذكره السادة العلماء من كراهة صوت المرأة إذا احتوى على تليين وتنغيم يثير الشهوة من جهة الرجال.
الأمر الثاني: أن صوت الرجال في قراءة القرآن للنساء لا يمنع، وقراءة القرآن من المرأة للمرأة لا يمنع، فلماذا يمنع صوت قراءتها مع الرجال؟!
فالقول بأن صوت المرأة في قراءة القرآن عورة ليس عليه دليل.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر