(ف153) أرجو التعليق على حديث عبد الله بن مسعود الذي يتحدث فيه عن زواج المتعة ويستدل به البعض على جواز ذلك.

أولًا: الحديث رواه البخاري ومسلم في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ” كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل”. ثم قرأ عبد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[المائدة: 87] .
ورواية البيهقي: “كنا ونحن شباب… فقلنا: يا رسول الله ألا نختصي؟ قال: «لا». ثم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل”. ثم قرأ عبد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} .
ثانيا: هذه الرواية وما يشبهها تتحدث عن أمرين: الاختصاء، وزواج المتعة.
– أما الاختصاء وهو قطع الشهوة عند الرجل فقد ورد فيه حديث آخر عند البخاري من حديث أبي هريرة قال: “قلت: يا رسول الله، إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء؟ فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ”».
ولكن هذا الحديث لا يدل على إباحة الخصاء، وإنما هو تعليق على مسألة القدر، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: حتى وإن فعلت فسيكون ما أراد الله، كما أن النبي نهى عن الخصاء في روايات أخرى صحيحة:
– منها ما ذكرته عن البخاري ومسلم أعلاه.
– ومنها ما رواه البخاري أيضا عن سعد بن أبي وقّاص: “رد رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا”.
– ومنها ما رواه أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو، قال: “جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي أن أختصي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خصاء أمتي الصيام والقيام».
– ومنها حديث: «يا معشر الشباب….» فذكر الصيام ولم يذكر الخصاء.
وبالنسبة للمتعة فليس في الحديث ما يدل على استمرار المتعة، ونحن لا نجادل أن النبي أجازها مرة أو مرتين ولفترة محدودة، ولكن الخلاف: هل استمر الجواز كما يقول به الشيعة؟ نقول: الذي عليه إجماع أهل السنة تقريبا -باستثناء ما رواه ابن حزم عن بعضهم- أن المتعة منسوخة، وذلك بالأدلة التالية.
أولًا: نص الحديث يقول: “إلى أجل” فيحتمل المعنى إلى أجلٍ في الجواز ثم نسخ، ويحتمل أن الزواج إلى أجل، والقاعدة تقول: إن ما دخل فيه الاحتمال بطل به الاستدلال.
ثانيًا: كلمة: “كنا شبابًا” تدل على أن ذلك أول الأمر؛ لأنا إذا علمنا أن سيدنا عبد الله بن مسعود مات سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة وكان عمره يومئذ يزيد على الستين قليلا، نعلم أنه قال هذا الكلام وهو يشير إلى فترة الشباب، وبالرجوع إلى الأحداث نجد أنه يتوافق مع فترة فتح خَيْبَر أو فتح مكة الذي وردت الروايات بإباحته لفترة قصيرة ومنعه:
ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم بسنديهما عن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر.
وفي رواية: “نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية”.
وكذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن الربيع بن سبرة، عن أبيه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم الفتح -فتح مكة- عن متعة النساء”.
وفي رواية أخرى لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاِسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلاَ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا».
فهذه الأدلة وغيرها ناسخة للجواز
ثالثا: حتى وإن افترضنا أن ابن مسعود مات وهو مؤمن بالجواز فمخرجه أنه لم يبلغه النسخ كما وقع لابن عباس، ولا يعارض رأيه جمهور الصحابة رضوان الله عليهم.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر