(ف160) ما أقوال المذاهب الإسلامية في نفقة المطلقة؟

أولًا: النفقة في اصطلاح الفقهاء هي إخراج الشخص مؤنة من تجب عليه نفقته من مأكل ومشرب وملبس ودواء وكساء وما لا تقوم الحياة إلا به، ويخرجها المتوجب عليه على قدر ما عنده غنيًّا كان أم فقيرًا، قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق: 7].
ثانيًا: النفقة في العموم تتوجب بأسباب ثلاثة هي: الزوجية والقرابة والملك.
فالزوجية: كالرجل على نسائه.
والقرابة: كالأب على أولاده.
والملك: في حال السيد على عبيده (هذا حين كانت العبودية قائمة أما الآن فهي محرمة مجرمة).
ثانيا: تختلف أحكام النفقة باختلاف نوع الطلاق، حيث إن أنواع الطلاق متنوعة ومتعددة؛ فمنه الطلاق الرجعي، ومنه البائن بينونة صغرى، ومنه البائن بينونة كبرى، ومنه الطلاق على مال، ومنه الخلع عند من عَدَّ الخلع طلاقًا لا فسخًا، ولكل حال تفصيل:
– أما في حالة الطلاق الرجعي: فيتوجب على الزوج أن يقوم على نفقة زوجته خلال فترة عدتها؛ فإن كانت حاملا فحتى تضع حملها، وإن كانت حائلا فبحسب حالها من الحيض أو اليأس، والنفقة كما قلنا تقدر على حسب يسار الزوج وإعساره، وهذا باتفاق الفقهاء، ولا يُسقطُ نفقةَ المرأة إلا النشوزُ.
– وأما في حالة البينونة الصغرى: وتقع إن طلق الرجل زوجته أولًا أو ثانيًا ولم يراجعها حتى انتهت عدتها فهذه لا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين.
فإن بانت المرأة من زوجها على الوصف السابق فلها أن تطالب بنفقة المتعة، ونفقة المتعة هي مال يدفعه الرجل للمرأة التي طلقها لأمر خارج عن يدها غالبا جبرًا لخاطرها وعونًا لها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}[الأحزاب: 28]. وقال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة: 241].
وقد اختلف الفقهاء في حكم هذه النفقة:
فالجمهور من الأئمة على أنها مستحبة وليست واجبة. وذهب الشافعية في الأظهر، وهو رأي للحنابلة، ورواية عن المالكية أيضا، أنها واجبة لنص آية البقرة السابقة.
ويقدر القاضي الشرعي قيمة هذه المتعة ومدتها، ولكن يشترط لها شروط:
١- أن تكون الزوجة مدخولًا بها بعقد شرعي صحيح.
٢- أن يكون الطلاق قد وقع بغير رضا من الزوجة ولا مطالبة.
٣- ألا تكون الزوجة هي المتسببة في الطلاق بقول أو فعل.
– وأما في حالة البينونة الكبرى أو ما نسميها المبتوتة: فقد اختلف الفقهاء في حكم نفقة عدتها:
والسبب في ذلك حديث فاطمة بنت قيس المشهور في هذا الباب؛ فعن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثًا قال: «لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ» [رواه أحمد ومسلم].
وقد ورد أيضا ما يعارض هذا الحديث ومنه:
– ما رُوِيَ أن الشعبي حدث بحديث فاطمة بنت قيس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، فأخذ الأسود بن يزيد كفًّا من حصى فحصبه به وقال: ويلك تحدث بمثل هذا؟ قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت. [رواه مسلم].
– ومنه الحديث الأطول متنًا: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: “أرسل مروانُ قبيصةَ بنَ ذؤيبٍ إلى فاطمة، فسألها فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أَمَّر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على بعض اليمن فخرج معه زوجها، فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها، وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها، فقالا: لا والله ما لها نفقة إلا أن تكون حاملا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا»، واستأذنته في الانتقال فأذن لها، فقالت: أين أنتقل يا رسول الله ؟ فقال: «عند ابن أم مكتوم» وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يبصرها، فلم تزل هناك حتى مضت عدتها، فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة، فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره ذلك، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة، فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة حين بلغها ذلك: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1]، حتى قال: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: 1]، فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟!”. [رواه أحمد وأبو داود والنسائي ومسلم بمعناه].
وعليه فقد اختلف الأئمة في نفقة المبتوتة:
– فذهب البعض إلى أن المطلقة بائنا لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة والسكنى، وقد ذهب إلى ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم، وروي عن ابن عباس والحسن البصري وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والإمامية والقاسم.
– وذهب الجمهور كما حكى ذلك ابن حجر عنهم إلى أنه لا نفقة لها، ولها السكنى. واحتجوا لإثبات السكنى بقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}[الطلاق: 6] ولإسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: 6]. فإن مفهومه أن غير الحامل لا نفقة لها، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر فائدة.
– وذهب أئمتنا في مذهب الإمام الأعظم رضي الله عنه وهو مروي عن عمر وغيره من الصحابة إلى أنه يجب لها النفقة والسكنى، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}[الطلاق: 1] فإن آخر الآية وهو النهي عن إخراجهن يدل على وجوب النفقة والسكنى، ويؤيده قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}[الطلاق: 6].
وهو ما نفتي به.
أما بالنسبة بنفقة المتعة للمبتوتة فهي مثل البائنة.
والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر