(ف164) هناك سؤال يُطرح من الإخوة والأخوات في أكثر من مناسبة حول المال والمدخول، فبعض الأخوات يقلن: مال المرأة هو مالها الخاص إن كان من دَخْلٍ أو شغل وما شابه ذلك، أما مال الزوج فهو ماله ومالها ولها حق التصرف فيه كيفما تشاء وبدون استئذان. فما رأي الشرع في هذا الموضوع وكيفية تحديد الضوابط بالتصرف بمال الرجل ومال المرأة؟

هذا سؤال جيد ويحتاج إلى بحث منفصل وتفصيل يليق بما يترتب على هذا الفهم.
وأقول:
أولًا: النفقة في اللغة هي مأخوذة من الإنفاق، وهو في الأصل بمعنى الإخراج والنفاد، ولا يستعمل الإنفاق إلا في الخير.
أما النفقة شرعًا: فهي كفاية من يمونه المنفق في المأكل والمشرب والمسكن والملبس.
ثانيًا: أوجب الشرع على الزوج النفقة على زوجته، وإن اختلف الأئمة في وقت الوجوب:
فالسادة الأحناف يجعلون وجوب النفقة بمجرد العقد، والجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يوجبون النفقة بالدخول أو التمكين.
ثالثا: اشترط الأئمة شروطًا لوجوب النفقة على الزوجة نلخصها في الآتي:
– أن يكون العقد صحيحا، فلو كان العقد فاسدًا أو باطلا وأنفق عليها ثم ظهر فساد العقد أو بطلانه، فإن له الحق في الرجوع عليها بما أنفقه.
– أن تكون الزوجة مطيقة للوطء منه أو من غيره، ولا يشترط لذلك سن خاص، بل يقدر بحسب حال الزوجة؛ إذ قد تكون صغيرة بدينة تطيق، وقد تكون كبيرة هزيلة لا تطيق.
– أن تسلم نفسها، وإلا كانت ناشزًا، فإن كانت ناشزًا فلا تجب لها نفقة.
– ألا تفعل ما يوجب حرمة المصاهرة.
– أن تبقى على الإسلام بعد العقد، فإن خرجت عن الإسلام فلا نفقة لها.
رابعًا: تتوجب النفقة على الرجل بالمعروف وعلى حسب يساره؛ قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق: 7].
– ولقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[النساء: 34].
– ولحديث جابر رضي الله عنه في سياق حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»[رواه مسلم].
– ولحديث جابر: «فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ»[رواه مسلم].
– ولحديث عائشة: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ»[رواه البخاري].
خامسًا: لا يجوز للرجل أن يأخذ من مال المرأة الخاص بغير رضاها، وذلك كمال إرثها وتجارتها قبل الزواج ومال المهر، قال تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء: 20].
سادسًا: أما المال المكتسب من عمل المرأة بعد الزواج والزعم بأنه خاص بالمرأة دون الرجل فهذا له حالان:
الحالة الأولى: أن تكون قد اشترطت عليه في عقد الزواج أن يسمح لها بالعمل، ووافق هو على ذلك، ففي هذه الحالة لا يجوز له أن يمنعها من العمل إلا إذا ظهر له فساد هذا العمل وعدم جوازه أو تضرر منه ضررًا يجعل الزوجية صعبة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: 1]. وقال النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عقبة: «أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم» [رواه أبو داود].
وكما لا يجوز له أن يمنعها لا يجوز له أن يأخذ من هذا المال المكتسب إلا برضاها؛ لأنه قبل بشرطها من الأصل.
الحالة الثانية: ألا تكون قد اشترطت عليه حال العقد:
ففي هذه الحالة لا يجوز لها أن تعمل بغير إذنه، وقد نص الأئمة الأطهار على ذلك، قال البهوتي من الحنابلة: “ولا تؤجر المرأة نفسها، بعد عقد النكاح عليها، بغير إذن زوجها، لتفويت حق الزوج”.
فإن عملت جاز للزوج أن يشترط عليها جعلًا شهريًّا في مقابل الوقت المستقطع.
وهذا الرأي أوفق للعدل؛ لأنه لا يعقل أن يكون مال الرجل من عمله مشاعًا بينه وبين زوجته ومالها من عملها حال الزوجية ودون اشتراط خاصًّا بها.
والأمر الآخر الذي نرتكز إليه هو قاعدة العرف المعروف كالشرط المشروط، وأن ما تعارَف عليه الناس في معاملاتهم هو قائم مقام الشرط في الالتزام والتقيد، وإن لم يُذكَرْ صريحًا.
وتطبيق ذلك أنه إذا اشتهر وعرف في بلد ما أن المرأة تبرز إلى العمل على أن تدفع شيئًا من مالها مقابل هذا لبيت الزوجية ودون اشتراط مسبق على الزوج فليس في الشريعة ما يمنع من إعمال هذا العرف.
إذ المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
– وعليه: ففي المسألة السابقة لا يوجد إطلاق ولا تعميم، وخلاصته:
– تتوجب النفقة على الزوج بالمعروف.
– يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها العمل الحلال ولا يأخذ شيئًا بغير رضاها.
– في حالة إن لم تشترط ليس لها أن تعمل بغير إذنه، وإن أذن لها جاز أن يشترط عليها جعلا مقابل ما استقطعت من وقته.
– لا يجوز للزوج أن يأخذ من مال زوجته قبل الزوجية وبعدها مما لا إذن له فيه بغير رضاها.
أما بالنسبة لمسألة هل للزوجة أن تتصرف بمال زوجها كيف تشاء، أم هو الذي يحدد النفقة وهو القائم على المال وليست هي؟
فأقول:
أولًا: إن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة قائمة على التكافل والتكامل ومراعاة الحقوق والواجبات ، أو هذا ما يجب أن يكون، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 228] فالرجل عليه واجبات معلومة ومنها نفقة الزوجة وكفالتها، والمرأة عليها الطاعة والتسليم وحفظ الرجل في ماله ونفسها.
ثانيًا: إن من أفضل الطاعات على المرأة والتي تفوق أحيانا أبوابا من أبواب العبادة المفروضة هو باب طاعة الزوج وإرضائه بكل أنواع الترضية.
وأنا سأذكر شطرًا من الأدلة على ذلك من الأحاديث النبوية:
١- روى الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن أبي أَوْفَى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَلاَ تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا كُلَّهُ حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا عَلَيْهَا كُلَّهُ، حَتَّى لَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ (الرحل الصغير على قدر السنام)، لأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ».
٢- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَعْلَمُ المَرْأَةُ حَقَّ الزَّوْجِ، لَمْ تَقْعُدْ مَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ» [رواه الطبراني في الكبير].
٣- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “أتى رجل بابنته إلى النبي – صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج، فقال لها: «أَطِيعِي أَبَاكِ»، فقالت: والذي بعثك بالحق، لا أتزوج حتى تُخبرني ما حق الزوج على زوجته؟ فقال: «حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ فَلَحَسَتْهَا، أَوِ انْتَثَرَ مَنْخِرَاهُ صَدِيدًا أَوْ دَمًا، ثُمَّ ابْتَلَعَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ» [رواه البيهقي والنسائي].
٤- أخرج الإمام أحمد بسنده من حديث حُصَين بن مِحصَن رضي الله عنه قال: حدثتني عمتي، قالت: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال: «أَيْ هَذِهِ! أَذَاتُ بَعْلٍ؟»، قلت: نعم، قال: «كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟»، فقلت: ما آلوه إلا ما عجَزت عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ».
٥- وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ، دَخَلَتِ الجَنَّةَ» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].
٦- وفي موقوف عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: “يا معشر النساء، لو تعلمْنَ بحق أزواجكنَّ عليكن، لجعلت المرأة منكن تَمسح الغبار عن وجه زوجها بنحْر وجهها”.
وفي رواية: “تمسح الغبار عن قدمي زوجها بنحر وجهها”. [رواه ابن أبي شيبة].
وغير ذلك من الأحاديث الواردة في كتب السنة، ولنراجع هذا الباب من كتاب “الترغيب والترهيب” للإمام المنذري رحمه الله.
ثالثًا: إذا علم هذا فليس للمرأة أن تأخذ من مال زوجها إلا في حالتين:
– أن يأذن لها بالتصرف فيه.
– أن يكون مقترًا شديد التقتير، فتأخذ من ماله ما يكفيها بالمعروف.
والدليل على ذلك الآتي :
١- قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا». وفي رواية: «مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا». وفي رواية: «وَلَا تَصُمِ المَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ». والحديث بمعناه متفق عليه.
٢- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِى أَهْلِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِى مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [رواه البخاري ومسلم].
٣- وما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ». وفي رواية لها: “إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليَّ جناح أن آخذ من ماله سرًّا”؟
٤- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ –قال أحد الرواة: صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ- أَحْنَاهُ عَلَى يَتِيمٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» [رواه البخاري ومسلم].
– وعليه: فأحوال المرأة مع الرجل ماليًّا كالآتي :
١- أن تنفق من مالها، فليس له أن يمنعها.
٢- أن تأخذ من المال المشترك بإذنه ( joint account ) فلا حرج.
٣- أن تأخذ من ماله هو الخاص بإذنه ورضاه.
٤- أن تأخذ من ماله بغير علمه في حال بخله الشديد، وعلامته هنا محددة في الحديث:
– أن يكون تقتيره مؤثرًا على زوجته وأولاده.
– أن تأخذ بالمعروف، والمعروف هو حد الكفاية.
فليس من الكفاية أن تأخذ لشراء إكسسوارات مثلا أو ملابس غير ضرورية.
أما غير ذلك فلا يجوز شرعًا.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر