نقول وبالله الحمد:
أما الذكر الجماعي فهو من الفضائل والأعمال المستحبة، وقد خصه غير واحد بالكلام على الندب، منهم الإمام النووي في الأذكار، ومنهم الإمام السيوطي في كتابه البديع الحاوي، وهذا ما عليه جمهور الأئمة. وأنا هنا سأذكر بعض الأدلة على سبيل العجالة على أن يكون لنا بحث تفصيلي نناقش فيه رأي المخالفين.
أولا: من القرآن الكريم:
قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة: 152] وقال تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41-42] وقال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران: 191] وأوضح من هذه الآيات قوله تعالى في سورة الكهف (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف: 28]. وغيرها من الآيات التي استعملت صيغة الجمع. والأصل أن نحمل القرآن على مقتضى ظاهره إلا أن يظهر لنا ما يدعو إلى التأويل، والآية وإن كانت تحتمل الذكر من المنفرد إلا أنها أيضا أشارت إلى الاجتماع.
ثانيا: من السنة:
١- روى الإمام مسلم بسنده عن معاوية قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ»؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: «آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ»؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ. قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ». فهذا نص قاطع أنهم كانوا يجتمعون على الذكر لقولهم: جلسنا نذكر الله. ولا يرد عليه قول القائل أنهم كانوا يذكرون فرادى وهم جالسون لأنه تأويل بغير دليل.
٢- ما رواه الترمذي من حديث أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «حِلَقُ الذِّكْرِ». وكلمة «حلق الذكر» تدل على الاجتماع والتحلق.
٣- ما رواه أبو داود من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً».
٤- ومنه حديث مسلم عن أبي سعيد الخدري: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». ويروى مثله عن أبي هُريرة: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». فهذه الرواية تصرح بالاجتماع على التلاوة والمدارسة.
٥- وفي الصحيحين يقول الله تعالى: « أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ». فهذا الحديث القدسي يروي عن رب العزة أنه قال: «وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ» والملأ هم جماعة، واتضح معناه أنها جاءت في مقابل الفرد.
٦- أخرج بقيُّ بن مَخْلَدٍ، عن عبد الله بن عمرو، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ بمجلسين، أحد المجلسين يَدْعُون اللهَ ويرغبون إليه، والآخرُ يتعلمون العلم، فقال: «كِلَا الْمَجْلِسَيْنِ خَيْرٌ، وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ».
٧- روى البيهقي عن أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: سَيَعْلمُ أَهْلُ الْجَمْعِ الْيَوْمَ مَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ». فَقِيلَ: وَمَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَجَالِسُ الذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ».
٨- روى البخاري بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ وَاللهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللهِ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ». والأحاديث في ذلك كثيرة.
أما من فعل الصحابة:
١- ورد في صحيح البخاري: «باب التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ». وَكَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وفي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا. وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ. فهذا عمر يكبر ويكبر الناس جماعة وهذا ذكر جماعي.
٢- وقد نقل الشافعي في الأم: أن ابن المسيب وعروة بن الزبير وأبا سلمة وأبا بكر بن عبد الرحمن ونافع بن جبير وابن عمر يجهرون بالتكبير. وكان فقيه الصحابة ابن عمر يخرج يوم الفطر والأضحى رافعا صوته بالتهليل والتكبير حتى يأتي المصلى. وقال الإمام الشافعي أيضًا: (فإذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى في المسجد والأسواق والطرق والمنازل ومسافرين ومقيمين في كل حال وأين كانوا، وأن يظهروا التكبير).
وجواز الذكر الجماعي هو مذهب المذاهب الأربعة وأهل الفتوى وأهل الحقيقة والطريقة وغيرهم. ولم يخالفنا فيه إلا بعض أهل الحديث ومتشددي الوهابية هدانا الله وإياهم. والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر
أما الذكر الجماعي فهو من الفضائل والأعمال المستحبة، وقد خصه غير واحد بالكلام على الندب، منهم الإمام النووي في الأذكار، ومنهم الإمام السيوطي في كتابه البديع الحاوي، وهذا ما عليه جمهور الأئمة. وأنا هنا سأذكر بعض الأدلة على سبيل العجالة على أن يكون لنا بحث تفصيلي نناقش فيه رأي المخالفين.
أولا: من القرآن الكريم:
قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة: 152] وقال تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41-42] وقال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران: 191] وأوضح من هذه الآيات قوله تعالى في سورة الكهف (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف: 28]. وغيرها من الآيات التي استعملت صيغة الجمع. والأصل أن نحمل القرآن على مقتضى ظاهره إلا أن يظهر لنا ما يدعو إلى التأويل، والآية وإن كانت تحتمل الذكر من المنفرد إلا أنها أيضا أشارت إلى الاجتماع.
ثانيا: من السنة:
١- روى الإمام مسلم بسنده عن معاوية قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ»؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: «آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ»؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ. قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ». فهذا نص قاطع أنهم كانوا يجتمعون على الذكر لقولهم: جلسنا نذكر الله. ولا يرد عليه قول القائل أنهم كانوا يذكرون فرادى وهم جالسون لأنه تأويل بغير دليل.
٢- ما رواه الترمذي من حديث أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «حِلَقُ الذِّكْرِ». وكلمة «حلق الذكر» تدل على الاجتماع والتحلق.
٣- ما رواه أبو داود من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً».
٤- ومنه حديث مسلم عن أبي سعيد الخدري: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». ويروى مثله عن أبي هُريرة: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». فهذه الرواية تصرح بالاجتماع على التلاوة والمدارسة.
٥- وفي الصحيحين يقول الله تعالى: « أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ». فهذا الحديث القدسي يروي عن رب العزة أنه قال: «وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ» والملأ هم جماعة، واتضح معناه أنها جاءت في مقابل الفرد.
٦- أخرج بقيُّ بن مَخْلَدٍ، عن عبد الله بن عمرو، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ بمجلسين، أحد المجلسين يَدْعُون اللهَ ويرغبون إليه، والآخرُ يتعلمون العلم، فقال: «كِلَا الْمَجْلِسَيْنِ خَيْرٌ، وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ».
٧- روى البيهقي عن أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: سَيَعْلمُ أَهْلُ الْجَمْعِ الْيَوْمَ مَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ». فَقِيلَ: وَمَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَجَالِسُ الذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ».
٨- روى البخاري بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ وَاللهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللهِ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ». والأحاديث في ذلك كثيرة.
أما من فعل الصحابة:
١- ورد في صحيح البخاري: «باب التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ». وَكَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وفي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا. وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ. فهذا عمر يكبر ويكبر الناس جماعة وهذا ذكر جماعي.
٢- وقد نقل الشافعي في الأم: أن ابن المسيب وعروة بن الزبير وأبا سلمة وأبا بكر بن عبد الرحمن ونافع بن جبير وابن عمر يجهرون بالتكبير. وكان فقيه الصحابة ابن عمر يخرج يوم الفطر والأضحى رافعا صوته بالتهليل والتكبير حتى يأتي المصلى. وقال الإمام الشافعي أيضًا: (فإذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى في المسجد والأسواق والطرق والمنازل ومسافرين ومقيمين في كل حال وأين كانوا، وأن يظهروا التكبير).
وجواز الذكر الجماعي هو مذهب المذاهب الأربعة وأهل الفتوى وأهل الحقيقة والطريقة وغيرهم. ولم يخالفنا فيه إلا بعض أهل الحديث ومتشددي الوهابية هدانا الله وإياهم. والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر