(ف175) أرجو من الشيخ أن يوضح أحكام اجتماع العيد والجمعة في نفس اليوم.

هناك عدة آراء للسادة العلماء في هذه المسألة:
الرأي الأول:
أن الجمعة لا تسقط بصلاة العيد، وأن كلًّا منهما عبادة منفصلة ثبت دليلها بنص مختلف، وعليه فإن صلاة الجمعة واجبة وإن اجتمعت مع أحد العيدين في يوم واحد،
وهذا هو رأي الأحناف والمالكية، وقد عبر غير واحد من علماء المذهبين عن هذا الرأي:
قال الإمام ابن عابدين في الحاشية: “أما مذهَبنا فلزوم كلٍّ منهما، قال في الهداية ناقلًا عن الجامع الصغير: “عيدان اجتمَعا في يوم واحد، فالأول سنَّة، والثاني فريضة، ولا يُترَك واحد منهما”.
وقال الإمام القرافي في الذخيرة: “ولا تسقط الجمعة بصلاة العيد إذا كانا في يوم، خِلافًا لابن حنبل؛ محتجًّا بما في أبي داود أنه عليه السلام قال: «قد اجتمَع في يومكم عيدان، فمن شاء أجزأه مِن الجمعة، وإنا مُجمِّعون» لنا آية وجوب السعي، ولأنه عمل الأمصار في سائر الأقطار، وأما الخارج عن المِصْر ففي الكتاب لا يَتخلَّفون، ورُوي عنه: يتخلَّفون؛ لإذن عثمان رضي الله عنه لأهل العوالي، ولما في انتظارهم أو رجوعهم مِن المشقَّة”.
واستدل أصحاب هذا الرأي بالآتي:
١- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: 9].
فهذا نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة عام لا يخصصه مثل ما أورده المخالف مما تكلم في سنده ومعناه، كما أنه لا يخصصه خبر آحاد فيما تعم به البلوى عندنا في المذهب.
٢- ما رواه مسلم عن عبد الله بن عُمر وأبي هريرة أنهما سَمِعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَختِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ».
فلا تترك الجمعة مع هذا النهي الشديد لمثل ما ورد من الأخبار التي يكثر فيها الإرسال والوقف.
٣- إجماع العلماء على وجوب صلاة الجمعة، وهذا الإجماع لا يرد عليه مثل هذه الأخبار.
الرأي الثاني:
أن الجمعة ثابتة في حق أهل البلد وتسقط عمن هو خارجها من أهل البوادي، وهذا رأي الشافعية، واستدل هؤلاء بما رواه البخاري في صحيحه أن عثمان بن عفان فعل ذلك، جاء في صحيح البخاري: “أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ”. والعالية هي منطقة خارج المدينة.
الرأي الثالث:
سقوط الجمعة عمن أدى صلاة العيد في جماعة عدا الإمام، وهذا رأي الحنابلة، واستدل الحنابلة لهذه الرأي بعدة أدلة منها:
– حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأله: هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: كيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصِلِّيَ فَلْيُصَلِّ»[رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد].
– حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم قال: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتِيَ الجُمُعَةَ فَلْيَأْتِهَا، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَخَلَّفَ فَلْيَتَخَلَّفْ»[ رواه ابن ماجه] ورواه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ: “اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم فطر وجمعة، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا وَأَجْرًا، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَمِّعَ مَعَنَا فَلْيُجَمِّعْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيَرْجِعْ» .
– وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ»[رواه ابن ماجه، وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات].
وهناك رأي رابع أعرضنا عن ذكره لضعفه وتهافته وهو منسوب لعبد الله بن الزبير، ويقضي بسقوط الجمعة والظهر معا لمن أدى العيد في جماعة.
والذي نختاره هو رأي السادة الأحناف والمالكية لقوة الدليل من القرآن والإجماع ولاحتمال الضعف على الروايات السابقة مع احتمال التأويل أيضًا.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر