(ف178) ما قولكم في حديث «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»؟

بالنسبة لحكم قراءة الفاتحة في الصلاة أقول:
يختلف حكم قراءة الفاتحة في الصلاة على حسب أحوال المصلي:
أولًا: إن كان المصلي منفردًا:
اختلف الأئمة في حكم قراءة الفاتحة بالنسبة له على رأيين:
الأول: للسادة الأحناف ومفاده أن قراءة الفاتحة واجبة وليست ركنا وتصح الصلاة بغير قراءتها، وأن من ترك قراءة الفاتحة يجبر صلاته بالسهو فقط دون إعادة الركعة، واستدل الأحناف بالآتي:
١- قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[المزمل: 20] قالوا: هذا أمر بالقراءة، والقراءة لا تتوجب إلا في الصلاة، فلما وجبت في الصلاة فقد جاء الأمر بالقراءة المطلقة دون تحديد لسورة معينة تستوي الفاتحة وغيرها، إلا أن السنة جاءت ودلت على الفاتحة، فنزل الدليل درجة، فقلنا بوجوبها دون الركنية، كما هو الحال مع صلاة الوتر.
٢- حديث المسيء في صلاته المشهور وهو من حديث أبي هريرة , ورفاعة بن رافع:
فأما حديث أبي هريرة: فأخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد والطحاوي في شرح المعاني، والبيهقي، والبغوي: عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الَّتِى بَعْدَهَا: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا».
وأما حديث رفاعة بن رافع: فأخرجه النسائي وابن ماجه والدارمي والبزار والحاكم والبيهقي بسندهم عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قال: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَنَحْنُ حَوْلَهُ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَأَتَى الْقِبْلَةَ فَصَلَّى فَلَمَّا قَضَى صلَاتَهُ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ اذْهَبْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». فَذَهَبَ فَصَلَّى فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمُقُ صَلَاتَهُ وَلَا يَدْرِي مَا يَعِيبُ مِنْهَا فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ اذْهَبْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِبْتَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا لَمْ تَتِمَّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَحْمَدَهُ وَيُمَجِّدَهُ -قَالَ هَمَّامٌ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ وَيَحْمَدَ اللَّهَ وَيُمَجِّدَهُ وَيُكَبِّرَهُ قَالَ فَكِلَاهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ قَالَ- وَيَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَرْكَعَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يَقُولَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَسْتَوِيَ قَائِمًا حَتَّى يُقِيمَ صُلْبَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَسْجُدَ حَتَّى يُمَكِّنَ وَجْهَهُ -وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ جَبْهَتَهُ- حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، وَيُكَبِّرَ فَيَرْفَعَ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَيُقِيمَ صُلْبَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْجُدَ حَتَّى يُمَكِّنَ وَجْهَهُ وَيَسْتَرْخِيَ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا لَمْ تَتِمَّ صَلَاتُهُ».
ففي كلا الروايتين ذكر مطلق القراءة ولَم يذكر الفاتحة تحديدًا مع أن المناسبة كانت لتعليم الصلاة والنبي لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة.
الرأي الثاني:
رأي جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، ومفاده أن قراءة سورة الفاتحة ركن من الأركان لا تصح الصلاة للقادر إلا به، واستدل هؤلاء بالآتي:
١- حديث عُبادة بن الصامت وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
٢- حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَلّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ».
وروايات أخرى بذات المعنى، وهذا كله في حق المنفرد، والذي يقضي الفائتة وفي صلاة الفريضة والسنة.
والترجيح عندنا هو للرأي الأول وهو رأي السادة الأحناف والثوري، وذلك للآتي:
١- عموم لفظ الآية من سورة المزمل والذي أشرنا إليه.
٢ – أن حديث المسيء في صلاته لم يحدد سورة الفاتحة وإنما أطلق القراءة.
٣- أن الأحاديث التي استدل بها الجمهور مؤولة فهي تتكلم عن الكمال لا الصحة. وهناك فرق بين نفي الكمال والتمام ونفي الصحة.
ونحن نستطيع أن نحمل هذه الروايات على ذلك؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: «فَلَا صَلَاةَ لَهُ» معناه: لا صلاة تامة، وهذا له نظائر لا يمكن أن تحمل إلا على نفي الكمال لا نفي الأصل والصحة، ومنه:
– قال أنس: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» [حديث صحيح رواه أحمد في مسنده].
فهل يمكن أن يقال: أن من لا يؤتمن خرج عن ملة الإسلام بنفي الإيمان عنه، أو أن يقال: من لا يحافظ على العهد خرج عن الدين. والصواب: لا إيمان تام ولا دين كامل.
– حديث علي بن شيبان قال: خرجنا فقدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصلينا خلفه، فقضى نبي الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فرأى رجلًا فردًا يصلي خلف الصف وحده، فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف، فقال: «اسْتَقْبِلْ صَلَاتَكَ، فَلَا صَلَاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ» [رواه ابن ماجه].
فقوله في الرواية: «لَا صَلَاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ» هو لنفي الكمال لا نفي الصحة وإلا فقد صلى ابن عباس منفردًا خلف النبي، وصلى أبو بكر بصلاة النبي منفردًا.
– ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ»[رواه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم وإسناده على شرط مسلم].
– ورواية: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ المَسْجِدِ إِلَّا فِي المَسْجِدِ» مع ما فيها من مقال في السند.
أقول: هل قال أحد أن من صلى في بيته صلاته باطلة أم ناقصة في الثواب؟
– وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ». [رواه مسلم وغيره].
فهل يقول أحد أن من قدم الصلاة على الطعام صلاته باطلة؟ ومثل هذا كثير.
فالذي نراه أن حديث: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» يجري عليه ما ذكرنا من نفي الكمال لا الصحة، والصلاة صحيحة بغير الفاتحة.
٤- أن المخالف لمذهب الأحناف وافقهم فيما إذا كان المصلي مأمومًا، فقالوا: لا يجب عليه قراءة الفاتحة، وهذا مذهب المالكية والحنابلة، وهو لا يتفق مع ما صدروا به من وجوب قراءة الفاتحة في حق المنفرد، إذ دليل الوجوب واحد. فبقي أنهم وافقوا في البعض وخالفوا في البعض وهذا اضطراب في التخريج.
ثانيا: إن كان المصلي في جماعة مأمومًا:
وهذا لا يخلو حاله من أمرين:
إما أنه أدرك الصلاة مع الإمام، أو فاته بعض الصلاة أو جلها، فإن كان صلى مع الإمام فقد اختلف العلماء في حكم قراءته الفاتحة على حسب الصلاة:
١- الصلاة الجهرية:
جمهور العلماء من الأحناف والمالكية والحنابلة ورأي عند الشافعية، أنه لا يتوجب عليه القراءة خلف إمامه. وذهب الشافعية ومعهم بعض أهل الحديث إلى أنه تتعين القراءة.
وقد نقل الإمام ابن قدامة خلاف العلماء بالتفصيل مع أدلتهم وأنا سأنقله على طوله:” فالمأموم في الصلاة الجهرية من أهل العلم من يرى أنه يكتفي بالإنصات لقراءة إمامه ولا يقرأ فاتحة ولا غيرها، ومنهم من يرى وجوب قراءة الفاتحة ولا يقرأ غيرها، والأحوط أن يقرأ الفاتحة، ففي المغني لابن قدامة: وجملة ذلك أن المأموم إذا كان يسمع قراءة الإمام لم تجب عليه القراءة، ولا تستحب عند إمامنا والزهري والثوري ومالك وابن عيينة وابن المبارك وإسحاق وأصحاب الرأي، وهذا أحد قولي الشافعي، ونحوه عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن جبير، وجماعة من السلف، والقول الآخر للشافعي قال: يقرأ فيما جهر فيه الإمام. ونحوه عن الليث، والأوزاعي، وابن عون، ومكحول، وأبي ثور، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». متفق عليه. وعن عبادة بن الصامت قال: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ، فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم»؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: «فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها». رواه الأثرم وأبو داود. وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج غير تمام». قال الراوي: يا أبا هريرة إني أكون أحيانًا وراء الإمام؟ قال: فغمز ذراعي، وقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي. رواه مسلم وأبو داود.
ولأنها ركن في الصلاة فلم تسقط عن المأموم، كسائر أركانها، ولأن من لزمه القيام لزمته القراءة مع القدرة، كالإمام والمنفرد، ولنا قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف: 204]. وقال أحمد: فالناس على أن هذا في الصلاة. قال سعيد بن المسيب، والحسن، وإبراهيم، ومحمد بن كعب، والزهري: إنها نزلت في شأن الصلاة. وقال زيد بن أسلم، وأبو العالية: كانوا يقرءون خلف الإمام، فنزلت: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. وقال أحمد في رواية أبي داود: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة. ولأنه عام فيتناول بعمومه الصلاة، وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا». رواه مسلم. والحديث الذي رواه الخرقي رواه مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة فقال: «هل قرأ معي أحد منكم؟» فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: «ما لي أُنازَع القرآن». قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه من الصلوات، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن”.
٢- الصلاة السرية:
والقراءة في الصلاة السرية مما تعددت فيه الآراء أيضا ويمكن أن نجملها في الآتي:
– رأي السادة الأحناف ومن وافقهم أنه لا قراءة على المأموم مطلقا لا سرية ولا جهرية وأنه تابع لإمامه، واستدلوا لذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وهذه الرواية وردت عن ثمانية من الصحابة وبعض الروايات أيضا مرسلة كرواية أبي عامر الشعبي. والسادة الأحناف وإن لم يصححوا الرواية إفرادا فإنهم يعملون بمجمل الشهرة فيها.
– رأي الشافعية والظاهرية أنه يتوجب على المأموم القراءة في السرية كالجهرية لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
ولقوله صلى الله عليه وسلم حين نازعوه القراءة في صلاة الصبح: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟» قالوا: نعم، قال: «لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها». رواه أحمد وأبو داود وابن حبان بإسناد حسن.
– رأي جمهور العلماء من المالكية والحنابلة وبعض الأحناف أن القراءة في السرية مستحبة وليست واجبة، ومسلك هذا المذهب هو الجمع بين الأدلة التي بعضها يوجب القراءة وبعضها يجعلها عهدة الإمام دون المأموم.
هذا في حالة أن المأموم أدرك كل الصلاة، أما إذا فاته شيء منها فقام ليقضيه فحكمه حكم المنفرد الذي ذكرناه في أول الفتوى.
فمن جعل الفاتحة ركنا أوجبها عليه، ومن جعلها غير ذلك قضاها على ما هي عليه.
والذي نرجحه من كل ما سبق هو مذهب السادة الأحناف والذي أيدناه بالدليل سواء في الجهرية أو السرية منفردًا كان أو مأمومًا وخلاصته:
– أن الفاتحة ليست ركنا وتصح الصلاة بدونها مع الإساءة.
– أن المأموم في الجهرية ليس عليه قراءة مطلقًا وإنما واجبه الإنصات، وأنه كذلك في السرية إلا أنه يستحب له القراءة لئلا يبقى ساكتًا أو يشرد عن الصلاة، وأن من فاته شيء يقضيه على هيئته.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر