(ف179) هل يجوز التبرع من مال الزكاة لبعض الأغراض التي قد تخدم الجالية الإسلامية بصورة غير مباشرة، مع العلم أن المنتفع غير مسلم؟

الزكاة حق لله وحق للعبد المسلم في مال من ملك نصابًا من المسلمين، والزكاة من العبادة المحددة التي لا يدخلها الاجتهاد، بل هي من العبادات التوقيفية حقًّا ومستحقًّا، ولذا فإن الله حدد المنتفعين بصورة حصرية تخرج غيرهم من أهل الإسلام وبالتبعية من غير المسلمين، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة: 60].
فهذه المصارف محددة والأصل فيها التمليك لوجود لام الملك ( للفقراء..)
وقد جاءت السنة مبينة لنوع المستفيد:
• جاء في البخاري وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا رضي الله عنه إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».
والشاهد: قوله: «تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» والمقصود بضمير الجمع هنا: المسلمون.
وقد اختلفت آراء أهل العلم في جواز إعطاء الزكاة لفقراء أهل الذمة ممن هم في رعاية أهل الإسلام ويقاس عليهم أهل العهد في زماننا:
الرأي الأول:
وهو لجمهور العلماء من الأحناف عدا زفر والمالكية والشافعية والحنابلة، ومفاده أنه لا يجوز دفع الزكاة لغير المسلم.
الرأي الثاني:
أنه يجوز دفع الزكاة الواجبة لمستحقيها من غير المسلمين، وتجزئ مَن أخرجها على هذا الوجه، وهو مذهب الزهري، وابن سيرين، وزفر من الأحناف، واستدل هؤلاء بأدلة لا تخلو من مقال ومنها:
– ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف مرسلا عن جابر بن زيد، قال: سئل عن الصدقة فيمن توضع؟ فقال: في أهل المسكنة من المسلمين وأهل ذمتهم، وقال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس.
– وكذلك بأثر عمر رضي الله عنه أنه مر بباب قوم وعليه سائل، شيخ كبير ضرير البصر، يسأل فضرب عضده من خلفه, وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: الجزية والحاجة والسن. قال: فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله، فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم.
والرواية لا تدل أنه بذل له من مال الزكاة.
– وعليه: فرأي الجمهور أقوى.
يبقى في المسألة سهم المؤلفة قلوبهم، وهو باب يفتي به بعض أهل العلم في مثل هذه الأحوال. والكلام فيه كالآتي:
اختلف الأئمة في بقاء هذا الصنف على رأيين رئيسين:
الرأي الأول: أن سهم المؤلفة قلوبهم باق ويجوز صرفه لمن يرجى إسلامه وإن كان مشركا. وهذا رأي الحسن والزهري ومحمد بن علي والحنابلة.
الرأي الثاني: ذهب إلى انتهاء سهم المؤلفة قلوبهم وأنه صار إلى الانقطاع على سبيل النسخ؛ لعزة الإسلام ومنعته وقوة المسلمين وانتفاء العلة الموجبة لإعطائهم، وهذا هو المشهور في المذاهب الثلاثة الحنفي والمالكي والشافعي. قال سيدنا الإمام الكاساني من أئمة المذهب: “وهو الصحيح لإجماع الصحابة على ذلك، فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا من الصدقات، ولم ينكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم، فإنه روي أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا أبا بكر وسألوه أن يكتب لهم خطا كتابة رسمية بسهامهم، فأعطاهم ما سألوه، ثم جاءوا إلى عمر، وأخبروه بذلك، فأخذ الخط من أيديهم ومزقه، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم فقد أعز الله دينه، فإن ثبتم على الإسلام، وإلا فليس بيننا وبينكم إلا السيف، فانصرفوا إلى أبي بكر فأخبروه بما صنع عمر رضي الله عنه، وقالوا: أنت الخليفة أم عمر؟ قال: هو إن شاء الله، ولم ينكر أبو بكر قوله وفعله، وبلغ ذلك عامة الصحابة، فلم ينكروا؛ فيكون ذلك إجماعا على ذلك، ولأنه ثبت باتفاق الأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يعطيهم ليتألفهم على الإسلام، ولهذا أسماهم الله المؤلفة قلوبهم. والإسلام يومئذ في ضعف وأهله في قلة. وأولئك كثر ذوو قوة وعدد، واليوم بحمد الله عز الله الإسلام وكثر أهله، واشتدت دعائمه ورسخ بنيانه، وصار أهل الشرك أذلاء، والحكم متى ثبت منقولا بمعنى خاص ينتهي بذهاب ذلك المعنى”.
وقد أفتى بعض المعاصرين بجواز استعمال هذا السهم في مثل هذه الأبواب.
والذي أراه هو رأي السادة الأحناف وأن هذا السهم آل إلى النسخ بالانقطاع.
-وعليه: فمن أراد أن يتبرع لهذا الغرض فإنه يدفع من أبواب الصدقات الأخرى.
المفتي: د خالد نصر