بالرجوع إلى المصادر التي تحدثت عن قضية علم النبي بالقراءة والكتابة نجد أن الآراء انقسمت إلى ثلاثة:
1 -أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف القراءة والكتابة أبدًا لا قبل البعثة ولا بعدها، ويمثل هذا القول رأي الجمهور، واستدل هؤلاء بآية العنكبوت والآيات والأحاديث التي تصف النبي «بالأمي» أو التي تصف الأمة «بالأمية».
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ حياته أميًّا حتى البعثة، وبعدها كتب، ونقل ذلك عن الباجي رحمه الله قال ابن حجر: “وقد تمسك بظاهر هذه الرواية فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة… وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية” ووافق في ذلك علماءُ الشيعة، واستدل هؤلاء بظاهر الروايات الصحيحة وجملة أخرى من الأخبار حكم عليها الكثير بالضعف، وحملوا الروايات الصحيحة على المجاز، أي: أمر بالكتابة.
3- أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أميًّا لا يكتب ولا يقرأ وإنما كتب وقرأ في مواضع على سبيل المعجزة؛ قال ابن حجر: “ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميًّا، وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه ابن الجوزي”. كما أن ابن حجر علق على كلام السهيلي الذي رد به الوجه السابق بقوله: “قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا، والحق أن معنى قوله «فكتب» أي أمر عليًّا أن يكتب انتهى، وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي – نظر”.
والذي أرجحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ وكتب قبل أن يموت، وذلك للآتي:
١- أن الآية التي في سورة العنكبوت نفت القراءة والكتابة من قبل الكتاب ولم تنف مطلقا،
وكلمة {مِنْ قَبْلِهِ} تشعر أن الحكم من بعده مختلف عند من يقول بمفهوم المخالفة وإلا لما كان هناك من فائدة للتعيين، فلم تقل الآية: لم تكن وما كان لك.
٢- أن الإشارات السابقة في الأحاديث تدل على أن النبي مارس الفعل بيده في مواطن، وأقل ما يقال فيها أنها جاءت على سبيل المعجزة لحضرة النبي الأعظم.
٣- أنه لا يعقل أن يأمر النبي أهل الإسلام وعمومهم بالتعلم والقراءة والكتابة ويترك هو ذلك.
كما أن النبي عليه الصلاة والسلام موطن الفضائل ومنزه عن النقائص، فلما انقضى داعي الانصراف عن القراءة والكتابة قرأ وكتب.
٤- أن أصحاب دعوى الأمية المطلقة يقولون بهذا لئلا يظن ظانٌّ أن النبي تأثر بالتراث اليهودي والمسيحي.
وأنا أسأل: أين هو هذا التراث الذي يمكن أن يتأثر به النبي في هذه الفترة، لقد كان أغلب علم الناس مشافهة في الجزيرة العربية، ونحن ليس لدينا كتب بالتعاليم اليهودية ولا التصرانية تؤرخ لهذه الفترة، بل إن أشعار العرب ورجزهم ونثرهم في أغلبه لم يكن مكتوبًا،
فمن أين سيكون التأثر؟!
لقد اعتمد الناس في هذه الفترة على النقل الشفوي جيلا بعد جيل، فإذا كان النقل الشفوي هو الآلة فهل كان من الواجب أن يكون النبي-جل في مكانته- أصم لا يسمع لننفي شبهة التلقي.
إنه أمر نشره كفار مكة وردده خلفهم كل شانئ: {وَلَقْد نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}[النحل: 103]
وعليه فأمر نفي شبهة التلقي لا يسعفه فقط مسألة الأمية وإن كان القرآن قد أشار إليها عرضًا.
هذا والله أعلم. المفتي: د خالد نصر
1 -أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف القراءة والكتابة أبدًا لا قبل البعثة ولا بعدها، ويمثل هذا القول رأي الجمهور، واستدل هؤلاء بآية العنكبوت والآيات والأحاديث التي تصف النبي «بالأمي» أو التي تصف الأمة «بالأمية».
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ حياته أميًّا حتى البعثة، وبعدها كتب، ونقل ذلك عن الباجي رحمه الله قال ابن حجر: “وقد تمسك بظاهر هذه الرواية فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة… وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية” ووافق في ذلك علماءُ الشيعة، واستدل هؤلاء بظاهر الروايات الصحيحة وجملة أخرى من الأخبار حكم عليها الكثير بالضعف، وحملوا الروايات الصحيحة على المجاز، أي: أمر بالكتابة.
3- أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أميًّا لا يكتب ولا يقرأ وإنما كتب وقرأ في مواضع على سبيل المعجزة؛ قال ابن حجر: “ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميًّا، وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه ابن الجوزي”. كما أن ابن حجر علق على كلام السهيلي الذي رد به الوجه السابق بقوله: “قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا، والحق أن معنى قوله «فكتب» أي أمر عليًّا أن يكتب انتهى، وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي – نظر”.
والذي أرجحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ وكتب قبل أن يموت، وذلك للآتي:
١- أن الآية التي في سورة العنكبوت نفت القراءة والكتابة من قبل الكتاب ولم تنف مطلقا،
وكلمة {مِنْ قَبْلِهِ} تشعر أن الحكم من بعده مختلف عند من يقول بمفهوم المخالفة وإلا لما كان هناك من فائدة للتعيين، فلم تقل الآية: لم تكن وما كان لك.
٢- أن الإشارات السابقة في الأحاديث تدل على أن النبي مارس الفعل بيده في مواطن، وأقل ما يقال فيها أنها جاءت على سبيل المعجزة لحضرة النبي الأعظم.
٣- أنه لا يعقل أن يأمر النبي أهل الإسلام وعمومهم بالتعلم والقراءة والكتابة ويترك هو ذلك.
كما أن النبي عليه الصلاة والسلام موطن الفضائل ومنزه عن النقائص، فلما انقضى داعي الانصراف عن القراءة والكتابة قرأ وكتب.
٤- أن أصحاب دعوى الأمية المطلقة يقولون بهذا لئلا يظن ظانٌّ أن النبي تأثر بالتراث اليهودي والمسيحي.
وأنا أسأل: أين هو هذا التراث الذي يمكن أن يتأثر به النبي في هذه الفترة، لقد كان أغلب علم الناس مشافهة في الجزيرة العربية، ونحن ليس لدينا كتب بالتعاليم اليهودية ولا التصرانية تؤرخ لهذه الفترة، بل إن أشعار العرب ورجزهم ونثرهم في أغلبه لم يكن مكتوبًا،
فمن أين سيكون التأثر؟!
لقد اعتمد الناس في هذه الفترة على النقل الشفوي جيلا بعد جيل، فإذا كان النقل الشفوي هو الآلة فهل كان من الواجب أن يكون النبي-جل في مكانته- أصم لا يسمع لننفي شبهة التلقي.
إنه أمر نشره كفار مكة وردده خلفهم كل شانئ: {وَلَقْد نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}[النحل: 103]
وعليه فأمر نفي شبهة التلقي لا يسعفه فقط مسألة الأمية وإن كان القرآن قد أشار إليها عرضًا.
هذا والله أعلم. المفتي: د خالد نصر