(ف183) هل التقابض شرط في المعاملات المالية بعملات مختلفة بين الأصدقاء؟

ذهب الفقهاء إلى اشتراط التقابض في تبادل الأصناف المتشابهة وغير المتشابهة لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ». [رواه مسلم].
فـ«يدًا بيد» تدل على التقابض، وكما يظهر من النص اشتراطه في الأنواع كلها، وعلة الشرط هنا أن تأخير التقابض قد يؤدي إلى تغير القيمة مع الوقت المؤخر، وقد يؤدي إلى أن يكون حيلة للترابي.
ومع ذلك فهناك عقود تنعقد بمجرد الإيجاب والقبول ولا يشترط فيها على رأي الجمهور التقابض، ومن هذه العقود: عقد البيع المطلق-في غير الأموال الربوية– والإجارة والنكاح والوصية والوكالة والحوالة وما في نحوها.
أما ما يخص تبادل العملات المالية فهذا نسميه (الصرف) وهو بيع الأثمان أو النقود بعضها ببعض سواء من جنس واحد أو من أجناس متغايرة، ومن ذلك الأوراق النقدية المعاصرة على اختلاف أنواعها.
فهذه قد اشترط لها العلماء التقابض بل نقل ابن المنذر الإجماع عليه؛ قال ابن المنذر: “وأجمعوا أن المتصارفين إذا تفرقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد”.
ولا يختلف أن يكون بين الأصدقاء أو غيرهم، إلا إذا خرج على سبيل الهبة لا على سبيل البيع.
بقي أن أشير إلى أن التقابض لا يعني بالضرورة حضور البدلين عينًا، كما يزعم البعض، فنحن نفرق بين نوعين من التقابض كلاهما معتبر في هذا الباب: التقابض الحقيقي وصورته: حضور البدلين عينًا حال العقد، والتقابض التقديري: وهو أن يكون أحد البدلين غائبًا لكنه يمكن تحصيله بصورة ما ، أو حتى كلاهما غائبا ولكنهما في معنى المحصل وذلك كالبيع أونلاين، ونظيره في الفقه بيع دار في بلد آخر؛ فلا يشترط حضور البدلين لأنه لا يتصور أن ينقل الدار لبلد آخر، ويكفي هنا أن يسلمه الصك، أم مفاتيح الدار حتى يكون البيع صحيحًا.
ومرد طريقة التقابض إلى العرف كما صرح بذلك الفقهاء؛ قال الرافعي القزويني: “الرجوع فيما يكون قبضاً إلى العادة وتختلف بحسب اختلاف المال”.
المفتي: د خالد نصر