(ف186) ما حكم الختان في حالة أن الأبوين المسلمين بسبب الإهمال لم يقوما به لطفل بلغ السادسة من عمره؟ وهل يتوجب القيام به حتى لو لم تتوفر القدرة المالية حيث إن التأمين رفض أن يغطي هذه العملية بسبب سن الطفل؟ وقد يكون الألم الناتج عن العملية كبيرًا. ويلحق به ما حكم الختان لمن يدخل الإسلام وهو كبير، أو له أولاد من مختلف الأعمار ودخلت أسرته معه في الإسلام.

أولا: الختان هو قطع القلفة من الذكر، وهي الجلدة التي تغطي رأس العضو الذكري من الذكور، ويسمى أيضا الإعذار، نسبة إلى جلدة العِذار، وأعذر الغلامَ إذا ختنه وقطع هذه الجلدة.
وقد ورد لفظ الختان في حديث سنن الفطرة المشهور؛ فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ» [رواه البخاري ومسلم].
وهو أيضًا من الكلمات التي ابتلي -اختبر- بها سيدنا إبراهيم عليه السلام، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس، وخمس في الجسد؛ في الرأس: قَص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفَرْق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونَتْف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء).
وعن الحسن البصري: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}[البقرة: 124] قال: ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشمس فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه، وابتلاه بالختان فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه.
وقد عرف العرب الختان من قبل الإسلام، وكانوا يختنون أولادهم الذكور، ومنه ما ورد في قصة هرقل مع أبي سفيان رضي الله عنه وفيها: (فبينما هم على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون، فقال: هرقل هذا ملك هذه الأمة قد ظهر) [رواه البخاري].
ثانيًا: حكم الختان في الإسلام:
اتفق الأئمة على أن الختان من سنن الفطرة، واختلفوا في حكمه شرعًا:
١- ذهب الأحناف والمالكية، ووجه عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة إلى أن الختان سنة في حق الرجال وليس بواجب، ومع ذلك فهو من شعائر أهل الإسلام، مثل الأذان، فإذا اجتمع قوم على منعه حاربهم الإمام. واستدلوا بحديث ابن عباس: (الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء -ولنا شرح لمعنى مكرمة-) وقد روي هذا الحديث مرفوعًا وموقوفًا.
واستدلوا بحديث أبي هريرة في سنن الفطرة السابق؛ قالوا: جمع بين الختان وقص الشارب، وهو من السنن فدل على الشركة في الحكم.
٢- ذهب الشافعية والحنابلة وسحنون من المالكية إلى أن الختان واجب على الرجال، واستدلوا بـ:
– قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}[النحل: 123] ومن مقتضى اتباع الملة فعل الختان لأنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة.
– ورد عن ابن عباس أن الأقلف لا تجوز شهادته إلا أن يختتن، والأقلف هو من لم يختتن.
والذي نرجحه أن الختان واجب في أصله، وقد يرد ما يعطله مع العذر، وذلك مثل:
– أن يكون عملية الختان تعرض حياة المختتن للخطر باعتبار حدوث نزيف خطر.
– أن تكون عملية الختان مؤلمة ألما يفوق الطاقة وليس له ما يسكنه.
– أن يكون الرجل متحولا من دين لا يختتن فيه أهله وقد كبر سنه.
– أن يقع عجز مالي، بحيث لا تتوفر مؤونة الختان وما يتبعه.
– أن يترتب على الختان أعراض نفسية سيئة تصاحب صاحبه.
ففي هذه الحالات لا يتوجب الختان سواء كان الإنسان صغيرًا أو كبيرًا، ولكن يراعى أن يصارح غير المختتن المرأة التي يطلب الزواج منها، إذا كانت من أهل الديانات التي توجب أو تسن الختان لكونها قد تتأذى من القلف، وإن لم يعد من العيوب التي تجيز الفسخ.
وعليه – فالسيدة لها أن تطلب المساعدة في ختان ولدها لأنها إعانة على واجب وشعيرة ، فإن لم تجد فلا يتوجب الختان.
ومن باب النصيحة يمكن أن تستعين بأهل الخير أو برامج الدولة في حماية الأطفال؛ لأن عدم الختان مع ختان الأقران قد يسبب للولد مشكلة نفسية في قابل الأيام. والله المستعان.
المفتي: د خالد نصر