(ف19) ما حكم إمامة الصلاة جالسًا في أهلك في البيت؟

أقول وبالله الحمد:
إمامة الجالس بالقائم من الأمور التي اختلف فيها الأئمة الأربعة، ومدار الخلاف على حديثين:
الأول هو حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: قَالَتْ اشْتَكَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ فَصَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسًا فَصَلُّوا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَجَلَسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». رواه البخاري ومسلم. فهذا يدل على وجوب متابعة الإمام في القيام والجلوس مع جواز إمامة القاعد.
والثاني هو حديث عائشة رضي الله عنها أيضا وفيه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ في مَرَضِهِ الَّذِي تُوفي فِيهِ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَلَمَّا دَخَلَ في الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ. رواه البخاري ومسلم.
وهذا حديث يدل على جواز إمامة القاعد أيضا، ولكن حال المأموم على حسب قدرته فإن كان من أهل القوة وجب عليه القيام، وإن كان من أهل الأعذار جلس مع إمامه. وعليه فقد اختلف العلماء في التعامل مع الحديثين على مذهبين: قائل بالترجيح وقائل بالنسخ وقد ترتب على هذا المذاهب الآتية:
١- تجوز صلاة القائم خلف القاعد مطلقا، وهذا مذهب الأحناف والشافعية والظاهرية وغيرهم، واستدلوا بالحديث الأخير وأنه كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم فنسخ ما قبله.
٢- لا يجوز صلاة القائم خلف القاعد، ومن صلاها بطلت صلاة المأموم، وهذا رأي المالكية، وقالوا: إن الأحاديث وإن كانت صحيحة إلا أنها متعارضة ولا يؤيدها عمل أهل المدينة.
٣- جواز صلاة القائم خلف القاعد بشروط وهي أن يكون القاعد هو إمام الحي، وكذلك أن تكون علته مما يرجى شفاؤه وإلا امتنع. وهذا رأي الحنابلة، ولهم قول آخر مفاده بداية الصلاة؛ فإذا صلَّى الإِمامُ بالمأمومين قاعدًا مِن أولِ الصَّلاةِ فليصلُّوا قعودًا، وإن صَلَّى بهم قائمًا ثم أصابته عِلَّةٌ فجَلَسَ فإنَّهم يصلُّون قيامًا، وبهذا يحصُلُ الجَمْعُ بين الدليلين، والجَمْعُ بين الدَّليلين إعمالٌ لهما جميعًا.
والذي نراه ونفتي به هو مذهب الأحناف لقوة دليلهم. وعليه فيجوز صلاة القائم خلف الجالس لمرض أو غيره، وننبّه إلى أنه لا يجوز ترك القيام في الفريضة لغير عذر وإلا نقص ركن القيام.
المفتي: د خالد نصر