(ف194) ما حكم لبس التبان أو الشورت القصير للمحرم لستر العورة ومنع التسلخات؟

أولًا: الأصل في إحرام الرجل ألا يتعاطى المخيط، وهو ما كان على هيئة الأعضاء، سواء كان مشدودًا بالخياطة أو باللاصق كما في الديبر(الحفاضات)، أو بالتكة كما في السراويل.
والأصل فيه حديث ابن عمر رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلبس القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس» [أخرجه الشيخان].
والنص على البعض لا يعني جواز غير المذكور لأن العلة -وهي الارتفاق- واحدة ، فلا فرق بين القميص والتيشيرت، ولا بين العمائم والطاقية، ولا بين البورنيطة والخوزة، ولا بين السرويلات والأندروير بأنواعه، ولا بين البرنس والسلهام المغربي أو الجلابية ذات الرأس.
فكل هذا مدخل القياس لجماع العلة، وهي أن هذه الملابس والأغطية اجتمع فيها معنى الارتفاق الذي يخالف حال الإحرام.
ثانيًا: وردت روايات عن السيدة عائشة أنها أفتت غلمانها بلبس التبابين (يشبه غطاء العورة الذي يلبسه المصارعون في بلاد اليابان) لأنهم كانوا ينكشفون حين يحملون هودجها في الحج والعمرة، وهذه الرواية تدل بلفظها على حال الاضطرار، ولا تعني أنها لم تدفع عنهم الفدية {مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
ومثلها ما روي عن عمار بن ياسر أنه كان مصابًا بمرض في المثانة ينطلق معه البول (السلس) فكان يلبس التبان، ولا يخفى أنه لو كان الأصل جواز التبان لما اعتذر سيدنا عمار عن لبسه بالمرض.
ثالثا : أجاز جمهور الفقهاء ومنهم السادة الأحناف أن يشد الرجل المحرم إزاره إذا خشي انسيابه، ولو ببعض منه، كما نقل البعض الإجماع على جاوز لبس الهميان (الأحزمة) لحفظ ما نحتاج حفظه، وأنه لا يعتبر فيه معنى المخيط لأنه ليس من اللباس عادة، بمعنى أنه لا يلبس لعينه، فنحن لا نلبس الأحزمة دون البناطيل.
– وعليه: فمن كانت له ضرورة طبية مثل حصول التسلخات، ومن كانت له ضرورة ذاتية كحاجته لستر عورته لعدم كفاية الإزار، أو كانت له ضرورة نفسية لخشيته اطلاع الناس على ما يحرجه فشد تبانًا أو ديبرًا، فله ذلك ويصح إحرامه وعليه الفدية، وهي واحدة من ثلاثة: صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح فدية؛ لأن النص ربط الأعذار بالفدية، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، فمن لم يستطع واحدة من الثلاثة سقطت عنه المطالبة للعجز كما سقطت عن المظاهر.
والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر