(ف199) وصلنا هذا التعليق عن بعض المناسبات فما هو ردكم على هذه المواضيع؟

الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم يثبت عنهم الاحتفال بكل من الإسراء والمعراج والمولد النبوي وليلة النصف من شعبان وغيرها من المحدثات، أعياد المسلمين عيد يوم الجمعة آخر الأسبوع وعيد الفطر وعيد الأضحى، وكل عيد أحدث من بعد الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يثبت عنه فهو بدعة ومحدثة وإضافة: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]

أولا : بينا في بحثنا الموسوم “تروكات العهد النبوي والصحابي”
تروكات العهد النبوي والصحابي
أن مجرد ترك النبي لفعل شيء لا يدل على حرمته، وأن الترك تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة.
كما أثبتنا ثمة بالدليل أنه كم من متروك نبوي فعله الصحابة، وكم من متروك صحابي فعله التابعون، وما زال الأمر على ذلك حتى عصرنا هذا.
ثانيا: هناك سوء فهم لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عله وسلم كان يقول في خطبته: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هديُ محمد، وشر الأمور محدَثاتها، وكل بدعة ضلالة» [رواه مسلم] ، وفي رواية: «وكل محدثة بدعة» ، فيظنون أن العموم هنا مقصود في كل حادث ، والحق أن العموم غير مقصود للآتي:
١- أن كلمة «الأمور» عامة أيضا ، وتشمل أمور الدنيا وأمور الدين ، ولا مخصص لها في النص ، فإذا أخذنا بعمومها أيضا صار الإحداث في أمور الدنيا من البدع والضلالات ، فلا يصح إلا ما كان في عهده من مأكل ومشرب ولباس ومتاع ومركب ومسكن، وما إلى ذلك، وهذا ما لا يقول به أحد في قديم أو حديث، فدل على أن العموم غير مقصود في لفظ «الأمور» وهو كذلك غير مقصود في لفظ الحادث .
ولا يقول قائل : إن كلمة «محدثة» جاءت نكرة مضافة لصيغة من صيغ العموم، فهي تدل على العموم كما في قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [الإسراء: 13].
فنقول: ليس كل نكرة أضيفت لصيغة من صيغ العموم تفيد العموم، بل يمكن أن يقع لها تخصيص بطريقة من طرق التخصيص ، ومنه قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [الأحقاف: 25] ومع ذلك فقال بعده: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ } [الأحقاف: 25] مع أن المساكن شيء من الأشياء إلا أنها لم يقع عليها التدمير.
والقاعدة : أن النكرة في سياق الإثبات لا تعم إلا بقرينة ، وذلك مثل :
١- إذا كانت النكرة موصوفة بصفة عامة: كقوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: 263] فإن هذا الوصف (معروف) عام، فتعم النكرة بعموم الوصف.
٢- إذا كان المقام قرينة على العموم: كقوله تعالى {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } [التكوير: 14] وكقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [الانفطار: 5].
فليس علم نفس بما أحضرت، أو بما قدمت وأخرت أمرًا خاصًّا بواحد دون الآخر، في مقام الحساب يوم القيامة.
وفي غير هذه المواضع تكون النكرة دالة على فرد مبهم شائع في جنسه، على سبيل البدل لا الاستغراق.
فإذا طبقنا ذلك على الحديث السابق نجد أن الإحداث كان عملا مستمرًّا عبر مراحل التشريع، من غير مخالفة أو مصادمة النص، ومنه ما أشرنا إليه مرارا وتكرارا، كجمع القرآن الأول في العهد البكري، وكالجمع القرائي في العهد العثماني، وجمع الناس على إمام في العهد العمري، وأذان السوق يوم الجمعة، وقسمة العلوم الشرعية، وإقامة الحدود، والتعاريف الاصطلاحية بمقابل التعاريف اللغوية، والكلام في الإلهيات، ومسائل علم الكلام كالجوهر والعرض والحد والموضوع والمحمول، وغيرها مما حدث ووجد مع الوقت، وظهور علوم حادثة بحدود معروفة تفصلها عن غيرها كعلم الحديث مع ما فيه من جرح وتعديل وكلام على الأسانيد، واصطلاحات كالصحيح والحسن لنفسه والحسن لغيره، والمرفوع والموقوف والمقطوع والمتصل والمرسل، وغيرها من الألفاظ الحادثة التي لم ترد على لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ولا الصحب الكرام، مما حدث بعدهم ولم يقل واحد من العلماء أنه يقع تحت حد «كل محدثة» .
والصواب المفهوم من مجموع النصوص أن المقصود (كل محدثة خالفت السنة) وإلا فما لم يخالف السنة فهو على أصل البراءة، فلربما جاز إذا وقع تحت أصل عام أو ربما لم يجز إذا أنشأ أصلًا جديدًا.
ثالثًا: إذا أخذنا مسألة صيام النصف من شعبان مثلا نجد أنه لا نكير ولا بدعة في صوم ذلك اليوم وذلك للآتي:
١- أن النصف من شعبان هو يوم الخامس عشر من الشهر، وهو أحد الأيام التي يندب صومها في كل شهر وليس شعبان فقط، والأفضل أن تكون أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر) [رواه البخاري ومسلم].
والأيام الثلاثة فسرها حديث أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا صمت شيئاً من الشهر فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» [رواه الترمذي والنسائي] .
٢- أن شعبان شهر ترفع فيه الأعمال السنوية فقد جاء في حديث أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» [رواه النسائي]، والنصف من شعبان يوم من أيام الشهر.
٣- أن النصف من شعبان تابع ليلته وهي ليلة مباركة مخصوصة بمغفرة خاصة؛ فعن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن». [رواه ابن ماجه وغيره]. ومن مقتضى تمام المنة وشكر النعمة التقرب إلى الله عقب العطية والمنحة، وليس أفضل من الصوم شكرا لله على منحته ومغفرته وهبته.
وعليه: فصوم النصف من شعبان ليس أمرًا حادثًا في الدين، بل يرتد لعدة أصول من الطاعات.
والحادث أن يقول قائل: من صام النصف من شعبان فله كذا وكذا من الثواب. مما لا دليل عليه، فهذا إحداث لثواب من غير دليل وهو ممنوع، أما مجرد الفعل فهو واقع تحت قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]. ولا شك أن الصوم من أعمال الخير.
رابعًا: لا بد أن نفرق بين العيد بمعناه الشرعي، والعيد بمعناه اللغوي، فالعيد في اللغة ما يعود من همٍّ أو مرض، أَو شوق أو نحوه، وهو أيضا كل يوم يُحتفَلُ فيه بذكرى حادثة عزيزة أو دينية.
وعليه: فكل حادثة أو أمر يعود ويتكرر فهو عيد، ولذلك نسمي يوم الجمعة عيدا لأنه يتكرر كل أسبوع.
قال الأزهري: والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن.
وقال ابن الأعرابي: سمي عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد.
أما العيد بمعناه الشرعي: فهو يوم يحتفل فيه المسلمون بطريقة مخصوصة إما بإتمام الصوم أو بإتمام الحج.
وعلى ذلك: فقد يقع العيد بمعناه الشرعي كعيد الأضحى وعيد الفطر ويوم الجمعة، وقد يقع بمعناه اللغوي كعيد الاستقلال، وعيد الشكر، وعيد الأم. ولا يلزم من تسمية اليوم عيدًا أن يترتب عليه ثواب ديني بذاته، ولكن قد يترتب الثواب بما يقع فيه من طاعة، كعيد الأم لا ثواب ديني في ذات اليوم، ولكن يقع الثواب ببر الأم والإهداء والإحسان إليها.
المفتي: د خالد نصر