(ف206) هل تأثم المرأة باصطحابها لأطفالها الصغار “المزعجين في نظر البعض” لصلاة التراويح في المسجد وهي تعلم يقينا أنهم غير منضبطين؟ (في هذه الحالة الأم تكون على علم بما سيقوم به أبناؤها من فوضى). و من ناحية أخرى هل تأثم أم عندها أطفال “منضبطون” لكنهم حين يبدأ الآخرون بالصياح و اللعب بصخب يبدءون هم كذلك بتقليد ما يرونه ويرفعون كذلك أصواتهم فتعلو الضوضاء! مما يجعل باقي النسوة ينزعجن ويعبرن عن استيائهن؛ لأنهن لا يستطعن الخشوع في الصلاة في تلك الأجواء ، فقد تصل الضوضاء أحيانًا إلى درجة أن يصبح صوت الإمام غير مسموع! هل رغبة الأمهات بزرع حب المساجد في قلوب أطفالهن يشفع لهن؟ وهل لا بأس عليهن؟ أم أن الأمر قد يترتب عليه إثم كبير قد لا تدركه الأمهات؟ فيصبح بقاؤهن في بيوتهن أفضل لهن ما دمن لا يستطعن ضبط أطفالهن الصغار!

أولا: الأصل في صلاة التراويح أنها سنة، وليست من الواجبات بالمفهوم الأصولي، ومع ذلك فصلاة التراويح هي شعار ورمز من رموز الإسلام كصلاة العيد والأذان وصلاة الجماعة، فتصير في قيمتها ومعناها في حكم الواجب الكفائي الذي لا بد أن يقوم به البعض.
وصلاة التراويح بمعناها هذا يطالب به الرجال استصحابًا والنساء استحسانًا.
ثانيا : الأصل الثاني الذي جاء به الشرع الحنيف هو رفع الأذى عن دور العبادة، وهذا يشمل النظافة الحسية، والمعنوية، ويشمل أنواعًا من الآداب الخاصة، ومنها عدم التشويش على الآخرين في عبادتهم الجامعة، ففي مصنف عبد الرزاق من حديث أبي سعيد فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ».
قال الإمام الباجي تعليقا: (وإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن ممنوعًا حينئذ لإذاية المصلين، فبأن يمنع رفع الصوت بالحديث وغيره أولى).
ثالثًا: إذا تعارضت الواجبات أو المندوبات قدمنا العام على الخاص، وواجب الوقت المعجل على ما وجب على التراخي .
ونحن هنا بين أمرين:
الحفاظ على آداب حضور المسجد وعدم التشويش على المصلين، وبين سنة حضور الجماعة والمشاركة في إظهار الشعيرة ، فنقدم الأمر الأول لأنه عام وواجب معجل.
وعليه: فلا يجوز لمن تعلم أن أولادها سيشوشون على المصلين أن تحضر بهم الصلاة وتأثم برفع الصوت وإن كان منهم؛ لأنها فاعلة بالتسبب وإن لم يكن بالمباشرة . فتلزم دارها حتى يعقل أولادها آداب المسجد،
وهذا ينسحب على كل الجماعات ما عدا صلاة العيد للاستثناء الوارد في النص.
والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر