(ف219) ما حكم تارك الصلاة كسلًا لكن يؤمن بها و لا ينكرها؟

اختلف الفقهاء في حكم تارك الصلاة تهاونًا وتكاسلًا عنها مع الإقرار بوجوبها، وهذا مختصر آرائهم:
أولا: ذهب الجمهور من الفقهاء أن تارك الصلاة تهاونًا لا يكفر، وهذا مذهب الأحناف والمالكية والشافعية، ورأي عند الحنابلة، وقالوا: هو على كبيرة من الكبائر، وإن اختلفوا في عقوبته؛ فذهب البعض إلى أن من تركها بالكلية يقتل حدًّا، وقال بعضهم: يقتل تعزيرًا، وذهب الأحناف إلى أنه لا يكفر ولا يقتل، ولكن يعزر بعقوبة حتى يصلي.
ثانيًا: ذهب الحنابلة في رأي ومعهم بعض الفقهاء المجتهدين إلى أن تارك الصلاة تهاونًا يكفر كفرًا مخرجًا من الملة، واختلفوا في الحد الذي يقع به الكفر؛ فقال بعضهم: يكفر بترك صلاة واحدة. وقال بعضهم: بل يكفر بتركها بالكلية، ولكن إن صلى بعضًا وترك بعضًا فهو ساهٍ متهاون ولكنه لا يكفر.
واستدل هذا الفريق بظاهر بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، منها:
قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]. قالوا: وعدهم بجهنم وأشد ما فيها، وهو الغي، فدل على كفرهم.
ولا يخفى ضعف الدليل؛ لأنه ليس كل من يعذب في النار كافرًا، فقد ورد أن أهل الغيبة والنميمة والربا والكذب يعذبون في النار وليسوا بكفار.
واستدلوا بأحاديث منها:
– حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه].
– وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» [رواه مسلم].
قالوا: النص صريح بالكفر، وهذه الروايات أيضا تقبل التأويل وتخالف نصوصًا أخرى لم تجعل الصلاة حدًّا للكفر والإيمان.
أولًا: لأن الترك المقصود هنا هو ترك الجحود وليس ترك الفعل؛ لأنه قال: «العهد» وهذه علامة إيمان وشعار وليست علامة فعل.
ثانيًا: من المعروف أن الكفر منه الكفر المخرج من الملة ومنه كفر النعمة، وكثير من النصوص تحمل على الثاني، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» [متفق عليه]. وما زال المسلمون يقاتل بعضهم بعضًا منذ عهد الصحابة ولم يقل أحد بكفر المتقاتلين.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَانِ بِالنَّاسِ هُمَا بِهِمَا كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ» [رواه مسلم]. ولا يقول أحدٌ أن من تنوح على ميت كافرة خارجة عن الملة.
والصواب أن تارك الصلاة تهاونًا مع الإقرار ليس بكافر، وإنما هو على كبيرة من الكبائر، وذلك للآتي:
١- أن الأدلة دلت على إسلام من نطق بالشهادتين، وتارك الصلاة من هؤلاء؛ منها:
«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» [متفق عليه] وليس فيها الصلاة.
– وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
– وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رواه مسلم]. و«مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رواه مسلم]. و«أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ» [رواه مسلم]. و«حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» [متفق عليه]. وغير ذلك.
٢- ذكر السبكي في طبقات الشافعية قصة مناظرة الشافعي وأحمد في حكم تارك الصلاة فقال: (حُكِي أن أحمد ناظر الشافعي في تارك الصلاة، فقال له الشافعي: يا أحمد أتقول: إنه يكفر؟ قال: نعم، قال الشافعي: إذا كان كافرًا فبم يسلم؟ قال أحمد: يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال الشافعي: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه؟ قال أحمد: يسلم بأن يصلي. قال الشافعي: صلاة الكافر لا تصح، ولا يحكم بالإسلام بها. فانقطع أحمد وسكت. حكى هذه المناظرة أبو على الحسن بن عمار من أصحابنا وهو رجل موصلي من تلامذة فخر الإسلام الشاشي).
والصواب ما رجحناه من التفريق بين الجحود والتهاون.
المفتي: د خالد نصر