(ف232) ١. في كلية الفنون، يقوم الطلبة بعمل أعمال ويستخدمون فيها الفضة أو الذهب، ويتفاوت ما يأخذه كل طالب عن الآخر على حسب مشروعه. ودكتور المادة يعطيهم ما يطلبون من المعادن ثم يحاسبهم في نهاية الفصل الدراسي، فهل هذا جائز أم أنه يخالف قاعدة التقابض في المجلس؟ ٢. على نفس القاعدة ما حكم شراء الذهب أو الفضة عبر الإنترنت؟ ٣. وأخيرا: ما حكم شراء الذهب بالتقسيط كما يحدث في مصر؟

بالنسبة للسؤال الأول :
فالأستاذ يعطي الطلاب مادة خامًا للتصنيع، ويعطيهم فرصة سماح للدفع حتى نهاية العام حتى يتموا مشروعهم، ومن ثم يستطيعون بيعه، وقد يشتريه منهم أو يبيعونه لغيره.
هنا أمور لا بد أن نبينها:
أولا: هناك أحاديث ونصوص تحكم التبايع في الذهب والفضة، نذكر منها:
– عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ » [رواه مسلم].
– عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآخِذُ وَالْمُعْطِى فِيهِ سَوَاءٌ» [رواه مسلم].
– وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ ) [رواه مسلم].
– وعن فضالة بن عبيد الأنصاري قال: أُتِيَ رسولُ الله، وهو بخيبر، بقلادة فيها خرز وذهب وهي من المغانم تباع. فأمر رسول الله بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده. ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» [رواه مسلم].
ويفهم من هذه الأحاديث ونظائرها أنه يشترط لبيع الذهب والفضة المماثلة في الصنف الواحد، والتقابض في مجلس البيع، فلا يجوز التفاضل، ولا يجوز الأجل.
وما ذاك إلا لأن الذهب والفضة أثمان والزيادة في النوع الواحد ربا، والأجل مظنة الربا، فمنع كلاهما.
وعلى هذا جرى كلام أهل المذاهب.
ثانيا: التقابض في البيع أنواع:
فالأول: هو التقابض الحقيقي، وذلك بمبادلة العين بالدين، أو المبيع بالثمن في مجلس البيع، وقد عبر عنه الحديث الشريف بقوله: «يَدًا بِيَدٍ» ، وهذه الكلمة لا تخرج مخرج الحصر، بل هي تعبر عن غالب أحوال الناس ( الحكم الأغلبي) ، كقوله تعالى: {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] في الربا ، مع كون الأقل ممنوعًا أيضا، بل هي في ذاتها ليست تعبيرًا حقيقيًّا، بل مجازا؛ لأن مقطوع اليد يصح بيعه وقبضه، فهي كناية عن التقابض.
الثاني: التقابض الحكمي، وذلك بأن يقع طرفا البيع (العين والدين) أو أحدهما، متراخيًا عن مجلس البيع، تراخيًا مقبولًا عرفًا.
وأكثر أمثلته في زماننا بيوع الشبكة، والدفع بكروت الائتمان، والقيود المصرفية على الحسابات البنكية، وما يماثل هذا .
وهذا النوع جرت الأعراف والقوانين عليه، فصار عرفًا معروفًا، لا يخالف قطعيًّا، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، كما هو مقرر عند أهل الأصول، لا سيما وأن (يدا بيد) هي من المجاز اللغوي كما بينا. ثالثا: هناك فرق بين المادة الخام والشيء المصنع منها فالخبز غير الدقيق (عند الأحناف والمالكية وبعض الحنابلة كابن تيمية)، وغير القمح، وكل ما اختلفت عينه، لم يدخله الربا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ».
ومثل هذا يقال في الذهب المصنع ، يقول ابن تيمية: (ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة، سواء كان البيع حالا أو مؤجلا ما لم يقصد كونها ثمنا).
ويقول ابن القيم رحمه الله: (الحلية المباحة صارت بالصَّنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان، كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع، وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصِّناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان وأُعدَّت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها).
وينسب هذا القول لسيدنا معاوية من الصحابة وإلى جماعة من فقهاء العراق كالحسن والشعبي وإبراهيم رحمهم الله، وهو الصواب بإذن الله، فالجبة ليست هي الثياب، بل تغيرت بالصنعة، والحذاء غير الجلد المصنع منه.
والحال كذلك في المصوغ لأنه تحول بالصياغة لسلعة وفقد معنى الثمنية، فيجوز بيعه فاضلا ونسيئة.
وبالنسبة لأصل السؤال: فإذا كان الأستاذ يعطيهم ذهبًا وفضة مصنعة ففيها التفصيل السابق، وما أرجحه جواز البيع فضلا ونسيئة.
وإن كان يعطيهم الذهب والفضة خامًا، فإن قصد البيع فلا بد من التقابض الحقيقي أو الحكمي، وإن قصد به الإجارة فجائز على أن يبيع المصوغ منه ويعطيهم أجر عملهم.
والأفضل في هذه الحال أن يقع البيع بشيك يوازي قيمة المادة المعطاة في زمن البيع، ويؤخر الأستاذ تحصيله لحين الانتهاء من التصنيع، وهو قياس قيد الصرف الذي أشرنا إليه.
وبالنسبة للسؤال الثاني والثالث، فالإجابة على الأول تكفي عنهما.
المفتي: د خالد نصر