(ف234) عن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال: (كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَغْدو يَوْمَ الفِطْرِ حتى يَأكُلَ، ولا يَأكُلُ يَومَ الأضْحى حتى يَرجِعَ، فيَأكُلَ مِن أُضحِيَّتِه). فهل هذا الحديث يجعل من اتباع السنة ألا يأكل من ينوي الأضحية شيئا، حتى يأكل من لحم أضحيته، وماذا لو كان الازدحام قد يجعل الشخص لا يأكل حتى آخر النهار، وربما بعد المغرب؟

أولا: الحديث المشار إليه رواه غير واحد من الرواة
– رواه الدارقطني بسنده عن بريدة: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان لا يَخرُجُ يومَ الفِطرِ حتى يَطعَمَ، وكان لا يَأكُلُ يومَ النَّحْرِ شيئًا حتى يَرجِعَ فيَأكُلَ من أُضحيَتِه). وعلق الشيخ شعيب على الرواية بأنها حسنة.
– ورواه النووي في المجموع عن بريدة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرجُ يومَ الفطرِ حتى يَطْعمَ، ويوم النحْرِ لا يأكلُ حتى يرجعَ فيأكلَ من نسيكَتهِ) وهي رواية حسنة أيضا.
– وذكره الشيخ شعيب أيضا في تخريجه لمسند أحمد وقال عنه: إنه حسن.
– ورواه أيضا الترمذي وقال: حديث بريدة بن حصيب الأسلمي حديث غريب.
– ورواه الحاكم في المستدرك وصححه، والبيهقي في السنن الكبرى وغيرها من كتبه، وابن حبان في صحيحه وغيرهم.
ومدار الرواية على ثَوَّاب بن عتبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه. وله متابع سنذكره.
وثوَّاب بن عتبة هذا اختلف فيه أهل الجرح والتعديل؛ فمنهم من عدله كابن حبان، ومنهم من تردد فيه كابن معين فمرة يقول عنه: (صدوق). ومرة يقول: (ثقة). ومن المعلوم أن وصف أحدهم بـ(الصدوق) لا تدل على تعديله؛ إذ هي صفة ذاتية، وليست روائية، فكونه صدوقًا لا تفيد بذاتها صحة الرواية، فهو لا يكذب، ولكنه قد يهم أو يخطئ، ولهذا وصف بعضهم بالصدوق وهو مجروح في نفس الوقت لسوء حفظه.
فمن ذلك مثلاً قول أبي زرعة الرازي في أحد الرواة: (ليِّن الحديث مدلس) فقيل له: هو صدوق؟ قال: (نعم، كان لا يكذب).
ومثله عن يحيى في تعليقه على أحد الرواة: (صدوق وليس بحجة).
ومنه ما قاله البخاري في محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: (صدوق، إلا أنه لا يُدرى صحيح حديثه من سقيمه).
ومنهم من ضعف ثوَّاب بن عتبة نصًّا، فقد قال عنه العجلي: يكتب حديثه وليس بالقوي. (وكتابة الحديث هنا للتنبيه عليه)، وقال الذهبي: (فيه لين).
أما الرواية المتابعة فعن عقبة بن عبد الله الرفاعي الأصم عن ابن بريدة، وهي عند الطبراني والبيهقي، وعقبة هذا أضعف من سابقه فقد ضعفه يحيى وأبو داود والنسائي وابن المديني، وقال عنه ابن حجر: ضعيف وربما دلس.
وذكر ابن عدي في الكامل عن عبد الله بن أبى سعيد الوراق، حدثنا عبد الله بن صالح أبو عبد الله النساج، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يطعم يوم الفطر سبع تمرات أو سبع زبيبات ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع) قال : وهذه الأحاديث عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة غير محفوظات.
قال الشوكاني: وفيه ناصح أبو عبد الله وهو لين الحديث وقد ضعفه ابن معين والفلاس والبخاري وأبو داود وابن حبان.
وعليه فالحديث ضعيف ولا يصلح تصحيح الحاكم له من جهة الرواة.
ثانيا: على فرض صحته أو تحسينه، فالأمر على الندب كما قال السادة العلماء في التعليق عليه، لعموم النهي عن صوم يوم العيد، والامتناع عن الأكل فيه معنى الصوم، وقد حاول البعض الجمع بين الأحاديث بالتفريق بين المضحي وغيره، فغير المضحي يأكل بعد الصلاة مباشرة، والمضحي يتلبس حتى يأكل من أضحيته.
قال الزيلعي: (هذا في حق من يضحي ليأكل من أضحيته، أما في حق غيره فلا).
وقال المباركفوري: (وقد خصص أحمد بن حنبل استحباب تأخير الأكل في عيد الأضحى بمن له ذبح).
والذي أراه أن هذه الرواية ضعيفة ولا يقوم بها دليل على التأخير، لا سيما في هذه الأزمان التي قد يتأخر فيها الذبح حتى الليل انتظارًا للدور، مع قلة المعروض من الحيوان وقلة الموردين، وهو ما يخالف حرمة الإمساك في يوم العيد، والأشد منه من يذبح ثاني أو ثالث يوم العيد، فهل يمتنع عليه الأكل عدة أيام حتى يأكل من أضحيته؟!
المفتي: د خالد نصر