(ف246) يحكي بعض العلماء أن صيام يوم عاشوراء خطأ، وهناك تناقض في روايات الأحاديث التي تروى عن صيام يوم عاشوراء، وأن صيام عاشوراء من الأمور المدسوسة في كتب الحديث. فهل هذا الكلام صحيح؟

أما مسألة صوم عاشوراء فنقول:
أولا: ورد في فضل صوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر المحرم من السنة الهجرية عدة أحاديث:
١- حديث عائشة رضي الله عنها في البخاري: “كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه”.
٢- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عند مسلم: أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ».
٣- وفي البخاري ومسلم عن ابن عباس: “قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. فقال: «أنا أحق بموسى منكم» فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه. وفي رواية أخرى: “فنحن نصومه تعظيما له”.
٤- وعندهما أيضا من حديث أبي موسى الأشعري: “كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيدًا، ويُلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم».
٥- وفي الصحيحين أيضًا عن عبيد الله بن أبي يزيد، أنه سمع ابن عباس، وسئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: «ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يومًا يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهرًا إلا هذا الشهر –يعني رمضان-“.
٦- وعند مسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله».
٧- روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى الحارث بن هشام: “أن غدًا يوم عاشوراء، فصم وأمر أهلك أن يصوموا”.
ثانيا: وردت عدة روايات كذلك تنفي استحباب صيام يوم عاشوراء ومنها:
١- ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: “صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك”. وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه.
٢- ما رواه البخاري ومسلم: “أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله بن مسعود وهو يَطْعَمُ يوم عاشوراء، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن اليوم يوم عاشوراء! فقال: قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك، فإن كنت مفطرًا فَاطْعَمْ”.
ثالثا: من الواضح أن أحاديث صوم عاشوراء يبدو في ظاهرها بعض التعارض، وهو ما يلخصه البعض في الآتي:
١- أن وقت القول به مختلف فيه بين الروايات، فتارة أنه كان يصام في الجاهلية، وتارة أنه صامه في المدينة.
٢- أن سبب صيامه مختلف فيه، فتارة أنه كان يومًا معظمًا في الجاهلية، ولعله بقية دين سيدنا إسماعيل، وتارة أنه صامه احتفاء بنجاة سيدنا موسى.
٣- أن البعض اختلطت عليه رواية لابن عباس عند مسلم وفيها: “حِينَ صَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: «فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ»، قالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حتَّى تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ”. قالوا: هناك تعارض بين الروايات في بَدْءِ صوم عاشوراء، فلو كان بعد مهاجره مباشرة، لما صح أن يقال أنه لم يعش إلى السنة التالية، إذ إن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم توفي في السنة العاشرة من الهجرة، وكان لديه متسع أن يضيف التاسع إلى العاشر في الصوم، وكذلك زعم البعض أن صيام عاشوراء هو من أعمال الناصبة نصرة لبني أمية وفرحًا بمقتل سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما.
وأنا أود أن أذكر الآتي:
أولا: لا بد أن نعلم أن رواية الحديث غير رواية القرآن في جهات، منها:
١- أن رواية الحديث قد تقع باللفظ وقد تقع بالمعنى ؛ على حين أن رواية القرآن ثابتة بنقل اللفظ، فالراوي في الحديث له الحق أن يغير في الكلمات ما دام يروي المعنى المقصود.
٢- أن روايات الحديث قد تكون كاملة وقد تكون مقتطعة، على حين أن رواية القرآن لا يمكن إلا أن تكون كاملة للنص الواحد (السورة أو الآية)، فبعض الأحاديث الطوال، قد تروى أجزاء منها عن بعض الصحابة مقتطعة من النص الأطول لأسباب متعلقة بالحفظ، أو التلقي، أو المناسبة.
٣- وكذلك لا بد أن نعلم أن بعض الصحابة المتأخرين مثل أبي هريرة وابن عباس، وغيرهما، كانوا يروون عن غيرهم من الصحابة، ويروي عنهم تلاميذهم ؛ فلربما جمعوا روايتين أو حادثتين في سياق واحد، ويعتمدون على ظهور التسلسل التاريخي، أو القدرة على تمييز الأمر.
ثانيا: الأحاديث التي وردت في صوم عاشوراء أحاديث صحيحة، وردت في كتب الصحاح والسنن وغيرها، ووردت عن جملة من الصحابة منهم المتقدم ومنهم المتأخر، كما أنها وردت فعلا للصحب الأطهار بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وأما ما يبدو فيها من تعارض؛ فبسبب جمع الروايات في سياق واحد عند متأخري الرواة.
ثالثا: الذي يفهم من جمع الأحاديث جملة ما يلي:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء على ملة سيدنا إبراهيم، كما كان يفعل أهل الجاهلية، حيث كانوا يعظمون هذا اليوم، وأن صيامه على المسلمين الأوائل كان وجوبًا حتى فرض رمضان.
ثم لما فرض رمضان نسخ فرض صوم عاشوراء، كما يظهر في أحاديث البخاري ومسلم، واستمر الأمر على الاستحباب حتى وفاته صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يخص اليهود، فلا يفهم من الروايات أن قوله: «فصوموه أنتم» أو: «نحن أحق بموسى منهم» أن هذا فعل إنشاء، بل هو فعل توكيد، وإضافة سبب آخر، فكأنه قال: ونحن سنكمل صومه لذات السبب أيضًا، إذ إننا أحق بموسى منهم، لا سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحبب إلى اليهود رجاء دخولهم في الإسلام، وقد وقع مثل هذا في الصلاة لبيت المقدس مدة قبل تحويل القبلة.
وأما قوله: «لئن بقيت إلى قابل» فلا بد أن يكون في السنة التاسعة وليس بعد الهجرة، ولكن ابن عباس وقد كان صغيرًا وقت الرواية، قد جمع القصة في رواية واحدة، فذكر ما وقع في أول مهاجره وعطف عليه ما كان في آخر حياته على سبيل الحكاية، وقد قلنا إن هذا جائز وقوعه في رواية الحديث، يقول ابن حجر في فتح الباري: (ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا: «صوموا يوم عاشوراء, وخالفوا اليهود صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده». وهذا كان في آخر الأمر وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء, ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان, فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا, كما ثبت في الصحيح, فهذا من ذلك, فوافقهم أولا, وقال: نحن أحق بموسى منكم. ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافًا لهم).
وأما ما يخص اختلاف التقويم بين الأشهر العربية والعبرية، فلا يمتنع أن يهود الجزيرة في المدينة وفي خيبر، كانوا يعتمدون الأشهر العربية كما كانوا يعتمدون الأشهر العبرية، فيظهرون الفرح في اليوم الذي يوافق نجاة موسى من الشهر العربي ومن الشهر العبري، لإظهار شكر النعمة والتميز بذلك أمام العرب أيضًا، كما يفعل بعض الجماعات الآن من الاحتفال بمولد النبي على ما يوافق السنة الهجرية وما يوافق السنة الميلادية، ظنًّا منهم أن في هذا زيادة في إظهار المحبة.
رابعًا: أن محاولة البعض ربط صوم عاشوراء باستشهاد سيد الشهداء سيدنا الحسين، خطأ للآتي:
أولا: أن الروايات المسندة تقول أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم والصحابة الأطهار كانوا يصومون يوم عاشوراء، وكان هذا قبل مقتل سيد الشهداء بعشرات السنين ؛ فاستشهاده لاحق وليس سابقًا.
ثانيا: حتى لو شكك الشيعة في الروايات وادعوا أنها من صنع المتأخرين، فيبقى أن الصوم فيه معنى العبادة وليس الاحتفال، كما هي العلاقة بين شهر رمضان ويوم العيد مثلا، وفي يوم العيد يحرم الصوم، فلو أراد الناصبة -كما وصفهم الشيعة- الاحتفال بمقتل سيد الشهداء لما صاموا، وإنما جعلوا من اليوم يوم عيد ثالث للمسلمين مثلا، وكان أحرى بهم أن يؤلفوا أحاديث في إظهار الفرحة بصنع الطعام واللباس وغيرهما، ولا يذهبون للصوم الذي فيه معنى العبادة.
وليس كل يوم اتفقت فيه عبادة معينة مع حادثة مؤلمة في التاريخ تنفي عن هذا اليوم معنى العبادة، ولو كان ذلك كذلك لما اتخذنا يوم الجمعة عيدًا أسبوعيا، وقد أخرج فيه آدم من الجنة!
وعلى ذلك أقول: الأدلة كافية لاستحباب صوم يوم عاشوراء، وما دامت اليهود لا تعظم ذات اليوم في الشهر العربي، فمن صام يوم العاشر فقط فلا يكون موافقًا لهم، ولا يحتاج إلى صوم يوم قبله أو بعده، إذ اختلفت عادة اليهود، وذلك على التفسير الذي قدمت به من قبل.
أما إذا كان المعنى المقصود، أن اليهود يحتفلون ويصومون يومًا واحدًا، احتفاء بنجاة سيدنا موسى، أما نحن فنصوم يومين لذات السبب، فنكون قد اتفقنا في السبب، واختلفنا في الطريقة، فتقع المخالفة، فيبقى إضافة يوم التاسع أو الحادي عشر من المستحبات.
بقي أن أشير إلى أمرين:
أن التتبع التاريخي يوصلنا إلى أن الذين كانوا يحتفلون بيوم عاشوراء ليس كل اليهود، ولكن طائفة معينة كانت تحتفل بنجاة سيدنا موسى، وأن أكثر اليهود لا يصومون هذا اليوم.
أن اليوم المهم الذي يخصه اليهود الآن بالصيام والصلاة وأنواع من الطقوس هو يوم كيبور ( الغفران)، وقد ارتبط ببعض ما حصل لليهود تاريخيًّا كدخول بختنصر لأورشليم وتدمير معابد اليهود فصار اليوم يسمى يوم “هكتبوريم” أي يوم الكفارات، وهذا لا علاقة له بيوم عاشوراء.
المفتي: د خالد نصر