(ف248) ما حُكم الصلاة خلف أشخاص لا يتكلمون العربية؟ حيث مخارج الألفاظ من القرآن الكريم غير صحيحة من حيث النطق والإعراب، وهم يقدمون أنفسهم للصلاة أو الأذان، فما هو التصرف الصحيح في مثل هذه الحالات؟

أولًا: عدم الكلام بالعربية لا يقتضي ضرورة بذاته الخطأ في قراءة القرآن؛ فالقرآن له نظم خاص يتخطى حاجز معرفة اللغة، وحالات من يقرأ القرآن بصورة صحيحة من غير الناطقين لا تعد كثرة.
وعليه: فالمعيار هو معرفة طريقة اللفظ القرآني مع أحكام التجويد، ولا يلتفت لأصل القارئ.
ثانيًا: إذا كان الوصف على ما سبق بيانه فأقول: اختلف السادة العلماء في حكم من يخطئ في قراءة القرآن في الصلاة؛ بل إن هناك خلافًا في المذهب الواحد بين التشديد والتخفيف، ومدار ذلك على أمور رئيسة؛ منها هل القارئ يحسن القراءة في العادة أم أنه لا يحسن غير ما يقرأ؟ وهل الخطأ يغير المعنى أم لا؟ وهل يقع منه الخطأ إمامًا أو منفردًا؟ وإن كان إمامًا هل هناك خلفه من يحسن القراءة أفضل منه أم أن الكل على ذات الحال؟
ثالثًا: بالجملة يمكن تلخيص المذاهب في هذه المسألة في الآتي:
١- السادة الأحناف: لهم تفصيل كثير وخلاف بين المتقدمين والمتأخرين ملخصه:
– تبطل الصلاة باللحن الجلي الذي يغير المعنى ويكون اعتقاده كفرًا، وذلك كقراءة الكاف بالكسر في قوله تعالى: ﴿‌إِيَّاكَ ‌نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: 5] للتأنيث.
– تبطل الصلاة إن تغير المعنى تغيرًا فاحشًا كقراءة: (مثل هذا الغبار) بدلًا من: ﴿‌مِثْلَ ‌هَذَا ‌الْغُرَابِ﴾ [المائدة: 31]، أو: (لمن كان له كلب) بدلًا من: ﴿‌لِمَنْ ‌كَانَ ‌لَهُ ‌قَلْبٌ ﴾ [ق: 37].
– إن كان اللفظ الذي وقع فيه الخطأ له نظير في القرآن يشبه المنطوق به خطأ فقد تردد رأي الأحناف بين الفساد والصحة؛ فذهب الإمام رضي الله عنه وصاحبه محمد بن الحسن إلى فساد الصلاة؛ وقال أبو يوسف رحمه الله: لا تفسد لقيام النظير.
– إذا كان المنطوق خطأ لا نظير له في القرآن ولا يغير المعنى؛ مثل قول (قيامين) بدل: ﴿‌قَوَّامِينَ ﴾ [النساء: 135] فقد اختلف السادة؛ فقال الإمام رضي الله عنه ومعه محمد بن الحسن رحمه الله: لا تفسد الصلاة. وقال القاضي رحمه الله: تفسد لأنه لا نظير له في القرآن.
وعلى الجملة فمذهب الأحناف المتقدمين شديد التحفظ في مسألة الخطأ.
أما متأخرو الأحناف فهم أكثر تساهلًا فقالوا: إن الخطأ في الإعراب لا يفسد لقلة معرفة الناس به.
والخطأ بالإبدال؛ إن كان يسهل تمييز النطق فسدت الصلاة كالطالحات بدل: ﴿الصالحات﴾.
وإن تعذر التمييز لم تبطل كما في إبدال الضاد ظاء والصاد سينا لعموم البلوى.
٢- وذهب المالكية في الأصح -مع تفصيل بينهم- أن الصلاة لا تبطل مع اللحن بأنواعه؛ ولو كان في الفاتحة؛ ومع ذلك يأثم القارئ بالخطأ الذي يغير المعنى؛ فهم كعادتهم يفرقون بين المسائل؛ فالصحة والفساد أمر، والإثم والبراءة أمر آخر لا ينسحب على الأمر الأول.
٣- والشافعية والحنابلة لهم تفصيل:
ففرقوا بين الفاتحة وغيرها؛ فأما إن أخطأ الإمام في قراءة غير الفاتحة فتصح، ولو كان فيها لحن جلي؛ لأن الصلاة تصح بتركها.
وأما إن كان الخطأ في الفاتحة فنظروا إلى نوع الخطأ؛ فإن كان لا يغير المعنى كرفع الراء من ﴿غَيْر﴾ فالصلاة صحيحة مع الكراهة.
وأما إن غير المعنى فلهم أيضًا تفريع مفاده:
هل القارئ لديه القدرة على التعلم وفرَّط أم لا؟
فإن كانت الأولى بطلت صلاته وعليهم الإعادة؛ وإن لم يكن لقرب إسلامه أو عجز لسانه صحت صلاته؛ وصحت صلاتهم بصحة صلاته.
هذا هو ملخص المذاهب الأربعة.
والرأي: أننا على سبيل الفتوى يجب أن نفرق والحال هكذا بين الحال قبل الوقوع والحال بعد الوقوع؛ فنتشدد في المسألة قبل الوقوع ونحمل الناس على الأشد وهو إمامة العالم القارئ كما أشار الحديث، وأما بعد الوقوع فالأسهل أن نحمل الناس على رأي المالكية وهو صحة الصلاة على كل حال.
المفتي: د خالد نصر