(ف25) شخص صلى منفردا وأخطأ في الصلاة خطأ يتوجب معه سجود السهو، لكنه نسي أن يسجد للسهو، وتذكر بعد أن ترك المكان، مثلا وهو في السيارة، وحين وصل إلى وجهته كان وقت الصلاة التالي قد دخل، فهل يعيد الصلاة أم يقوم بسجود السهو فقط أم يستغفر ولا يفعل شيئا؟

هذه المسألة لها فروع:
أولا: حكم سجود السهو في الصلاة قال الأحناف في الصحيح: إن سجود السهو واجب يأثم بتركه. وقال الشافعية والمالكية: إنه سنة. وقال الحنابلة: إنه واجب فيما يبطل الصلاةَ تَعَمُّدُه كتركِ التكبيرِ والتسميعِ، أما ما لا يبطل فيندب له السجود كترك الأذكار.
ثانيا: سجود السهو لا يجبر الأركان، وإنما يجبر ما دونها، والركن لا يجبره إلا إيقاعه على وجهه المشروع.
ثالثا: نوع الصلاة فإن كانت الصلاة سنة فجمهور الفقهاء أنه لا فرق بين السنة والفريضة في سجود السهو، وخالف الشافعية في رأي، ونقل أيضا عن ابن سيرين أنه لا سهو في السنة. والمالكية يفرقون بين السنة والفريضة في خمسة أشياء لا يقع بتركها سجود في السنة.
رابعا: اختلف الفقهاء في حكم من ترك سجود السهو: فالجمهور من الأحناف والشافعية أن من نسي سجود السهو وخرج من المسجد فصلاته صحيحة ولا شيء عليه. والحنابلة يقولون: إن كان في المسجد أداها، وإن خرج من المسجد بطلت صلاته للفصل. والمالكية يفرقون بين السجود الذي قبل السلام والذي بعده؛ فأما إن نسي سجودا يتوجب بعد السلام فلا شيء عليه، وإن نسي ما وجب قبل السلام فإن كان في المسجد أداه، وإن خرج بطلت صلاته وأعاد.
خامسا: اعتبار مدة الفصل اختلفوا في تحديد الفاصل الذي يترتب عليه الحكم؛ فقال الحنابلة في رأي الاعتبار ببقائه في المسجد وخروجه كما ذكرنا قبل، وقال الشافعية في رأي: إن مردَّ ذلك إلى العرف المعروف، فإن اعتبره العرف فصلا بطل السهو وإن قصرت المدة، وإن اعتبره غير فصل قام به وإن طالت المدة. ومثاله: سها شخص وجلس يذكر ساعة في المسجد وتذكر، يسجد للسهو على رأي الشافعية، وسها شخص آخر وانصرف لسيارته وأدارها وتذكر بعد عشر دقائق، لم يسجد للسهو للفصل عرفا. وقول مالك إن كان لزيادة أتى به وإن تباعد الفصل وطال، وهذا هو الرواية الثانية عن أحمد والثانية عند الشافعية، وإن كان لنقص أتى به ما لم يطل الفصل. أما الأحناف فالفصل عندهم ترك الموضع أو ترك المسجد وما عداه ففصل.
والذي أفتي به هو رأي السادة الأحناف.
وقد كان هذا الأمر محل سؤال بين نحوي وفقيه؛ قال الإمام السرخسي في “المبسوط” : (وإن كان شك في سجود السهو عمل بالتحري ولم يسجد للسهو، لما بينا أن تكرار سجود السهو في صلاة واحدة غير مشروع، ولأنه لو سجد بهذا السهو ربما يسهو فيه ثانيا وثالثا فيؤدي إلى ما لا نهاية له، وحكي أن محمدا -رحمه الله تعالى- قال للكسائي وكان ابن خالته: لم لا تشتغل بالفقه مع هذا الخاطر، فقال: من أحكم علما فذلك يهديه إلى سائر العلوم، فقال محمد -رحمه الله تعالى- إني ألقي عليك شيئا من مسائل الفقه فخَرِّجْ جوابه من النحو. فقال: هات. فقال: ما تقول فيمن سها في سجود السهو ففكر ساعة، فقال: لا سهو عليه. فقال: من أي باب من النحو خرجت هذا الجواب؟ فقال: من باب أن المصغر لا يصغر. فتعجب من فطنته). هذا، والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر