(ف252) هل النمص محرم على الإطلاق؟ أم التحريم مرتبط بعلة أخرى مثل التشبه بالفاجرات أو التدليس؟

النمص كي يكون محرما لا بد أن يكون مرتبطا بأمر آخر؛ يذهب به للتحريم، ومن ذلك التشبه بصاحبات الرايات الحمر، وما يماثلهن في الأزمنة التالية لفعل الجاهلية، أو أن تزيله بالكلية فتغير خلق الله.
وأزيد على ما ذكرت وأقول:
أولا: لا بد أن يكون هناك توازن بين الأفعال وما يترتب عليها من جهة العقوبة، فلا يكون الجرم كبيرًا وعقوبته تافهة، أو يكون العمل تافهًا وعقوبته كبيرة، فلا بد أن يكون هناك توازن بين الجرم والعقوبة في الشريعة.
وعلى ذلك فلا يعقل أن تكون عقوبة النمص هي نفس عقوبة النفاق، أو عقوق الوالدين، أو عمل قوم لوط، أو الذبح لغير الله.
ففعل النمص في نهاية الأمر فعل من الصغائر، ولا يناسبه الخروج من رحمة الله، ولذلك لا بد أن ينصرف اللعن لأمر آخر غير النمص، وهو هنا التشبه بالفاجرات وما فيه من دعوى لتقليد الفجر، وإفساد المجتمع، أو أن ينطوي على الغش والخداع، فهذا يستحق العقوبة الكبيرة.
ثانيًا: أن العرب فرقت في الاستعمال بين فعلي (النمص) و(التزجيج)؛ فالنمص ينصرف إلى إزالة الشعر بالكلية، على ما فيه من تغيير خلق الله والذي كان يفعله الكهنة في مصر القديمة، والتزجيج هو تحديد شعر الحواجب وترفيعها من الأطراف ومنه قول الراعي النميري:
إذا ما الغانيات برزن يوما * وزججن الحواجب والعيونا
والمعنى: دققن الحواجب وأطلنها ورققنها بأخذ الشعر من أطرافها حتى تصير مقوسة حسنة.
فالحديث منصرف لإزالة الشعر بالكلية، مع ما فيه من تغيير خلق الله، ولا ينصرف إلى التزجيج، الذي هو فعل أكثر النساء، وتسمية التزجيج نمصًا، من باب التوسع ولأنه بعضه، وإن فارقه في الحكم.
ثالثًا: الأصل أن الأحكام المتعلقة بأمور الهيئات معلولة، ولها حكم، ولا بد من ربط الحكم بعلته الشرعية، وبحكمته التشريعية.
فالحجاب هيئة، وعلته الشرعية الأنوثة، وحكمته التشريعية صيانة المرأة: ﴿‌فَلَا ‌يُؤْذَيْنَ﴾ [الأحزاب: 59]، وحفظ الرجال من الفتنة: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ ‌وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: 53]، ومفارقة فعل الجاهلية: ﴿‌وَلَا ‌تَبَرَّجْنَ ‌تَبَرُّجَ ‌الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]. وعلى ذلك فالحكم يدور مع علته ولا يفارق حكمته .
ومثل ذلك في الإسبال؛ فعلة التحريم هي الكبر والبطر والخيلاء، ويدور معها الحكم وجودًا وعدما بدليل حديث أبي بكر رضي الله عنه.
ومثل ذلك في اللحية فحكمة الأمر بها والنهي عن حلقها هي مشابهة المشركين والمجوس في أفعالهم، وكذلك لعلة الحفاظ على هيئة مستقلة للمسلمين، كما في حديث أبي أمامة.
فإذا كانت أحكام الهيئة معلولة، فلا بد أن تدور العلة مع معلولها، وعلة النمص هي: التشبه بالفاجرات، أو تغيير خلق الله، أو الغش والتدليس، وكلها تستحق العقوبة، ولكن إذا تخلفت هذه العلل، فالأصل هو الإباحة لغياب علة المنع.
وليس هذا شأن الممنوعات فقط، بل إن من يفعل المباح ليس لكونه مباحًا بل تشبهًا بفعل أهل الكفر والمعاصي استحق العقوبة والإثم وإن فَعَلَ مباحًا، وذلك كمن يشاهد شروق الشمس أو غروبها أمام البحر يوميًّا، فهو مباح في أصله، ولكن إن فعله تشبهًا بعُبَّادِ الشمس فهو آثم، وإن كان الفعل في أصله مباحًا.
المفتي: د خالد نصر