(ف253) إحدى الأخوات لها بنت وزوج وإخوة وأخوات، هم ورثتها بعد وفاتها، ولها أملاك. فقامت بتسجيل بعض الأملاك باسم زوجها وأخرى باسم ابنتها، فلما أخبرها إخوتها بأن هذا لا يجوز فاجأتهم بالسؤال: هل أنتم تريدون من أملاكي شيئا؟ فبطبيعة الحال قال أحدهم: لا. حياء، والآخرون سكتوا أيضا حياء، وقالت هي: وأنا سأتصل على البقية لأسألهم: هل تريدون من أملاكي شيئا أم لا؟ فما رأيكم في هذا التصرف؟ وتنازل الإخوة حياء، وما أخذ حياء أخذ غصبًا.

أولا: قاعدة التصرفات هي (الأصل إعمال كلام المكلفين)، فالعقود صحيحة ما لم يطرأ ما يبطلها، والوعود صالحة ما لم يطرأ ما يبطلها.
والمكلف لا يصح الحجر على تصرفاته في حياته إلا بمسوغ شرعي كالمديونية حتى يؤدي حق الدائنين، أو عارض أهلي مانع من التصرف كالجنون أو السفه أو الغفلة، بل إن السادة الأحناف لم يعتبروا بعض العوارض التي تنقص أهلية التصرف احترامًا لآدمية المكلف.
وعلى ذلك فالمكلف له الحق في أن يتصرف في ملكه كيفما شاء؛ بيعًا وتبرعًا، ونحلة وهبة وهدية، وله أن يختص من يشاء ببعض هذه العطايا، ولا يحجر عليه في حياته إلا للأسباب التي ذكرناها .
ثانيًا: ليس لأحد حق في ميراث حتى يقع سبب الميراث وهو الموت، فلا ميراث في الحياة، وهذا خطأ شائع بين الناس، فالميراث هو تمليك لما بعد الموت، وقبل الموت لا حق ولا ملك.
وعلى ذلك فليس لمن يتربص ميراثًا أن يقيد تصرفات من يتربص منه ميراثًا، وإلا عد هذا حجرًا، وهو لا يصح كما بينا.
ولا يفتقر المورث لإذن الورثة المتوقَّعين كي ينفذ عقدًا في حياته.
وعلى ذلك: يجوز لهذه السيدة أن تعطي من شاءت في حياتها، بشرط ألا يقع على سبيل الوصية لوارث، فإذا تنازلت عما تملك في حياتها صح قضاء على كل حال، وتُسْأَلُ عنه ديانة، فإن كان له ما يسوغه خلت من الإثم، وإلا أثمت بالجور، وفي كل الأحوال يصح الأمر في القضاء.
ودليله ما أشرت إليه في أولا، ومن السماع حديث أبي بكر في نحلة عائشة، وحديث النعمان بن بشير وغيرهما.
المفتي: د خالد نصر