(ف256) هل يجوز شراء محل بقالة وضمن البضاعة المباعة سجائر تشكل ٤٠% من المبيعات لذلك المحل؟ والمحل يصعب عمله بغير وجود السجائر كجزء أساسي من مبيعاته.

أولا: وقع الاختلاف في حكم التدخين؛ فجمهور المفتين على أنه حرام ، وبعضهم اكتفى بالكراهة لظنية الدليل، والخلاف في حقيقته هو اختلاف في تحقيق المناط، وهو بحث أصولي، حيث لا نص قطعي في التحريم كما هو الحال مع الخمر والميسر، فوقع الخلاف في قياس التدخين على غيره لاتحاد العلة، ولم يقع اتفاق في وجود العلة في المقيس ابتداء، بل أنكر البعض وقوع الضرر بالتدخين.
والصواب أن علة المنع علة مركبة (متعددة) ففيها الضرر وإن لم يقع على الكل، وفيها إضاعة المال، وفيها وقوع الضرر على الآخرين (التدخين السلبي)، وفيها الضرر بالطبيعة والبيئة، وفيها احتمال وقوع الإدمان، وفيها التأثير السلبي على الأطفال، وغير ذلك من العلل المتراسلة، والتي ترفع درجة الحظر للحرمة .
ومع ذلك يبقى وجه الكراهة الذي يقول به بعض أصحابنا الأحناف وجهًا له تخريج أصولي (ظنية الدلالة مع احتمال القياس ).
ثانيا: لا يصلح استعمال قاعدة السادة الأحناف عليهم الرحمة والرضوان بشأن العقود الفاسدة في دار الكفر لتبرير بيع الدخان، وذلك لما في الدخان من الضرر، والقاعدة الأصلية {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] مقدمة على تخريج الأحناف؛ لأنها قاعدة عامة قطعية بمقابل أدلة ظنية الدلالة، كما أنها تخالف مقصد الشريعة الكلي في حفظ النفس والمال.
وعليه: فعلى السائل ألا يعمل في هذه التجارة؛ إلا أن يقلد من يقول بالكراهة، والذي لا يسعفه الرأي والنظر، ومع القول بالكراهة لا يسلم من المؤاخذة مطلقًا، وإن صح عقد البيع، وصار ما يبيعه مقومًا.
المفتي: د خالد نصر