(ف264) هل يجوز أن تخلع المرأة الحجاب بسبب الخوف من الوضع القائم الآن من ترصد للمسلمين، أو لسبب طبي مثل وقوع الشعر؟

أولا: حجاب المرأة مع الأجانب واجب شرعي إذا بلغت المرأة المحيض، سواء كانت تعيش في بلد إسلامي أو غيره، بل هو شرط لجواز سفرها ومعيشتها في بلاد الكفر.
وحجاب المرأة في قدره المتفق عليه هو أن تغطي جميع جسدها ما عدا الوجه والكفين، لورود الأدلة من القرآن والسنة وفعل الصحابيات والتابعيات ونساء العلماء جيلا بعد جيل.
ثانيا: لا يجوز خلع الحجاب إلا لضرورة شرعية، والضرورات الشرعية يحددها الفقهاء بالاستعانة بأهل التخصص فيما يحتاج لطلب التخصص.
وبسؤال أهل الطب ثبت أنه لا علاقة للحجاب بتساقط الشعر؛ لأن تساقط الشعر له صلة بالداخل لا بالخارج، فاتصاله هو بفروة الرأس.
وأسباب تساقط الشعر مشهورة منها:
١- التاريخ العائلي (الوراثة): السبب الأكثر شيوعًا لتساقط الشعر هو حالة وراثية تحدث مع تقدم العمر.
٢- التغيرات الهرمونية والحالات الطبية: يمكن أن تسبب العديد من الحالات تساقط الشعر بشكل دائم أو مؤقت، بما في ذلك التغيرات الهرمونية بسبب الحمل والولادة وانقطاع الطمث ومشاكل الغدة الدرقية.
٣- الأدوية والمكملات الغذائية: يمكن أن يكون تساقط الشعر ناتجًا عن الآثار الجانبية لبعض الأدوية، مثل الأدوية المستخدمة لعلاج السرطان والتهاب المفاصل والاكتئاب ومشاكل القلب والنقرس وارتفاع ضغط الدم.
٤- المعالجة الإشعاعية للرأس: قد لا يعاود الشعر النمو مثلما كان قبلُ.
٥- حدث مسبب للتوتر الشديد: كثير من الناس يُصابون بفقدان الشعر العام بعد عدة أشهر من صدمة جسدية أو عاطفية. هذا النوع من تساقط الشعر مؤقت.
٦- تسريحات الشعر والعلاجات: يمكن للإفراط في تسريحات الشعر أو قصات الشعر التي تسحب الشعر بشدة أن تسبب نوعًا من تساقط الشعر يُسمى ثَعْلَبَة الشَّدّ، على سبيل المثال تضفير الشعر بإفراط، كما يمكن أن تتسبب علاجات الشعر التي تستخدم الزيت الساخن وعلاجات الفرد في تساقط الشعر. وإذا حصل تندّب، فقد يكون فقدان الشعر دائمًا (مستفاد من موقع مايو كلينك).
ثالثًا: وأما خلع الحجاب بسبب الخوف، فالخوف إمَّا مظنون وإما متحقق، فالمظنون لا يجوز ترك الحجاب لأجله؛ لأنه من الظن وهو قائم طول الوقت في الحجاب وفي غيره، فلا يجوز أن نجعله أصلا، وإلا سقطت التكاليف بالظن.
وأما المتحقق، فيجوز معه ترك بعض الواجبات ومنها الحجاب، ومع ذلك فلا بد أن نرتب الواجبات، بمعنى أنه إن كان الاختيار بين خلع الحجاب وبقاء المرأة في البيت، فالأفضل بقاء المرأة في البيت، أما إن اضطرت للخروج وهناك خطر متحقق (وهو صعب في هذه الأزمان) فيجوز خلع الحجاب تقديما لحفظ النفس على غيره.
والخطر هنا يشمل المرأة أو من تعول.
وإذا سأل سائل ما الفرق بين الخوف المحقق والخوف المظنون؟
أقول: الخوف المحقق هو ما تناول الأمور التي ثبت لنا فيها حتمية أو غلبة وقوع الفعل الذي نخافه، فمثلا الخوف من النار هو خوف محقق؛ لأن النار تحرق عادة، ولا يقال إن النار ربما لا تحرق لأنها لم تحرق سيدنا إبراهيم؛ لأن هذا يخرج على سبيل الاستثناء، ولذا سميناه معجزة.
ومثل ذلك الخوف من حد السيف لأنه يقطع عادة، أو الخوف من السقوط من علٍ لأنه يؤدي إلى التردي، وكذلك الأكل من الشيء الفاسد فإنه يؤدي إلى التسمم.
ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا ‌تُلْقُوا ‌بِأَيْدِيكُمْ ‌إِلَى ‌التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195] أي مواضعها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا» [متفق عليه].
وقول عمر: “أرأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إبِلٌ، فَهَبَطَتْ وَادِيًا لهُ عُدْوَتَانِ، إحْدَاهُمَا خَصْبةٌ، والأخْرَى جَدْبَةٌ، ألَيْسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّه، وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رعَيْتَهَا بِقَدَر اللَّه”؟ فالخوف من ضرر الجدب متحقق.
ومعرفة الضرر المتحقق تكون بوسائل عدة، منها العلم الضروري الذي يقوم على شهادة الحس في هذا العالم كإحراق النار.
– ومنها العلم الاستدلالي كالعلم بدوران الأرض.
– ومنها خبر الصادق وذلك كعلم الغيب والوحي والجنة والنار.
فإذا ما جئنا إلى أمثلة الخوف المحقق في موضوع الحجاب، فمثاله:
أن يكون الضرر معلومًا بأحد وسائل حصول العلم، كأن يكون العدو متربصًا منتشرًا كما هو الحال في بعض مناطق الهندوس في الهند، أو يعمم قانون ضد الحجاب ويعاقب من يلبسه مع العجز عن الخروج من سلطان القانون كما هو الحال في بعض البلاد الأوربية، أو حين توجد المرأة في منطقة حرب ويكون حجابها دليل إسلامها فيصيبها الضرر كما كان الحال في البوسنة والهرسك في التسعينيات، حيث كان الرجال المسلمون يميزون بالختان والنساء بالحجاب، أو توجد المرأة في مجتمع عنصري ضد الإسلام كما كان حال السود في ميسيسبي مثلا.
فهذه أمثلة للخوف المحقق.
أما الخوف المظنون، فهو ما لم يقم دليل عليه من واحدة من وسائل العلم، فهو ليس خوفًا بالضرورة أو بالاستدلال أو بخبر الصادق، بل هو ظن من صاحبه وتوقع لا دليل عليه، فهذا لا يعتبر في إبطال الواجبات، وذلك كالخوف من حضور الجمعة لأنها قد تجذب انتباه أعداء الإسلام، أو ترك الذهاب للمسجد لاحتمال وقوع العدوى من مرض، ومنه ترك لبس الحجاب لأنه يلفت الانتباه، أو يشعر بالمغايرة، فهذا كله خوف مظنون لا يبطل الحكم، لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ ‌الظَّنَّ ‌لَا ‌يُغْنِي ‌مِنَ ‌الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم: 28] أي لا يؤثر على ما ثبت باليقين.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ».
فالمسلمة المكلفة لا يجوز لها ترك فريضة الحجاب للظنون والاحتمالات التي لا يقين عليها.
المفتي: د خالد نصر