(ف265) أنا حاليًا أعمل في وظيفة بمسمى وظيفي معين وأتقدم لوظيفة أخرى بمسمى وظيفي آخر. في السيرة الذاتية عدلت المسمى الوظيفي الحالي ليكون متناسبًا مع الوظيفة الجديدة، وقمت بعمل مقابلة شخصية وتحدثت عن قيامي بعمل مهمات الوظيفة الجديدة كجزء من عملي الحالي، لكن وظيفتي الحالية تحتوي على بعض منها وليس كلها؛ مثال: إني أدير فريقًا مكونًا من عدد أكبر، إني أدير عدة فرق وليس فريقًا واحدًا. في النهاية تم قبولي وإرسال طلب توظيف لي، وقدراتي تؤهلني لهذه الوظيفة الجديدة، لكن أشعر أني لبَّست عليهم الأمر.

أولًا: إذا كان السؤال عن صحة العقد وبطلانه، فالعقد صحيح ما وافق عليه الطرفان وانصرفا عن مجلس العقد، ولا تأثير للكذب إن وقع في نفاذ العقد؛ لأن الكذب يترتب عليه الإثم وليس البطلان، والعقود مدارها على النفاذ أو البطلان لا على الإثم أو الأجر، ومثل ذلك من كذب على زوجته في أمر جعلها تقبل على زواجه، فيأثم على الكذب ويصح العقد ما صحت أركانه وتوافرت شروط صحته.
هذا ما يخص العقد، أما الكسب الناتج عن العقد فيقع بالعمل، وشرط حل الكسب هو الوفاء بالواجب المطلوب، فإن قمت بعملك المتفق عليه حل كسبك، وإن قصرت بفعلك أو نتيجة كذبك لم يحل كسبك إلا بالقدر الذي أحسنت.
ثانيًا: ما يخص ما قمت به في سيرتك الذاتية، فهو يحتاج إلى تفصيل:
فإن كان التعديل الذي قمت به مما يحتمله مؤهلك وخبرتك، فهو بَرَاء، وذلك مثلا كالمحامي الذي درس القانون جملة، ولكن جل عمله قضايا التعويضات، يتقدم لوظيفة في قضايا العقود، أو قضايا الحقوق المدنية، مما يظن أنه قادر عليه بطبيعة الدراسة، أو مدرس الثانوي الذي يتقدم لوظيفة مدرس في الجامعة حيث التقارب بين العملين.
فإن كان الوصف على ما تقدم فلا شيء عليك، وإن كان التعديل مما لا يحتمله مؤهلك وخبرتك، فقد كذبت وخنت، وعليك التوبة إلى الله تعالى.
والذي يظهر من السؤال أنك استعملت المعاريض في الكلام، والتعريض والتورية في الكلام يختلف حكمهما باختلاف المقام وحال المخاطب، وكذلك بما يترتب على التورية، فليست التورية جائزة في كل حال، وضابطها هو ما ذكره النووي رحمه الله، حيث قال: (واعلم أن التورية والتعريض معناهما: أن تطلق لفظًا هو ظاهر في معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره، وهذا ضرب من التغرير والخداع، قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب، أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه، وليس بحرام، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل، أو دفع حق، فيصير حينئذ حراما، هذا ضابط الباب).
فلتنظر أيها السائل: هل ما عرَّضت به أدى لأخذ حق لا يكون لك، أو لا قدرة لك على الوفاء به، فإن كان حرم وأثمت، ومع ذلك فالعقد صحيح، وعليك التوبة إلى الله، وإن لم يكن الأمر كذلك فلا شيء عليك.
المفتي: د خالد نصر