(ف272) إذا سلّم غير المسلم على المسلم بقول: “السلام عليكم” أو: “السلام عليكم و رحمة الله” أو زاد “وبركاته” أو قالها بالإنجليزية peace be upon you. فهل للمسلم أن يرد: “وعليكم السلام” متجنبًا الرحمة والبركة، خاصةً أنه ذكَرَ السلام صراحةً في تحيته؟

على الجملة فلا حرج بتحيته برد تحيته بالصيغة نفسها أو الزيادة عليها، والرحمة معنى واسع وبيان ذلك:
أولا: هناك فرق بين طلب المغفرة وطلب الرحمة؛ أما المغفرة على الذنوب ومنها الشرك بالله فهي حق الله وكلمته السابقة قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ ‌لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65].
وقد نهينا أن نطلب المغفرة من الله لمن لم يستجب لكلمته وتوحيده ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]. فالحكم في أمر المغفرة موكول لله وحده.
أما طلب الرحمة فواسع متسع، يشمل حال الدنيا وحال الآخرة، والرحمة هي رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وهي بهذا المعنى تشمل الجميع من المخلوقات؛ الحيوان والإنسان.
والرحمة تكون بالطلب من الراحم، وتكون بفعل الرحمة، فهذا رجل دخل الجنة برحمته لكلب كما في الصحيح: أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له فأدخله الجنة.
وبالمقابل دخلت امرأة النار بسبب عدم الرحمة؛ فقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار».
فالرحمة طلبا وفعلا مندوبة للجميع ولا اعتبار للدين ولا لغيره فيها.
ثانيا: جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الرحمة بعباد الله جميعًا من أبواب الصدقات
وفي الحديث: “قالوا: يا رسولَ اللهِ إنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ فقال: «في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ». [متفق عليه].
فطلب الرحمة وفعلها لكل حي مندوب مستحب.
ثالثًا: أقر الله سبحانه في كتابه مبدأ عامًّا وهو قوله: ﴿‌إِنَّا ‌لَا ‌نُضِيعُ ‌أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: 30]، وزاد عليه النبي حين قال: «من صنع إليكم معروفا فكافئوه , فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه». [رواه أحمد وغيره].
ولم يجعل النص ذلك حكرا على المسلمين، بل ورد في صيغة العموم، ولكن ندعو له بما لم يمنعه الله عنا، ولم يرد المنع بالدعاء بالرحمة لغير المسلم.
رابعًا: الرحمة أبوابها واسعة فمنها رفع المصيبة، وجلب المنفعة، وتخفيف العذاب، وقد وقعت الرحمة لأبي طالب لدعمه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعذب عذاب أبي جهل أو العاص بن وائل، وإن مات الجميع على الكفر، وورد أن العذاب يخفف عن أبي لهب في كل يوم اثنين لفرحه بمولد سيد البشر.
ويستثنى من الكفار المحاربون، فهؤلاء لا رحمة لهم قولا، ولا معهم فعلا، بل بيننا وبينهم جهاد الدفع والطلب، وللجهاد قواعد، مبدؤها البراءة منهم، ولذا خلت سورة التوبة من البسملة لأنها بدأت بمقدمة الجهاد، وهو البراءة من المحاربين، فلم يناسبها ذكر الرحمة.
وعلى ذلك فمن لم يكن محاربًا لا حرج أن تبدأه بالسلام أو ترد سلامه بالصيغة الكاملة.
والأمر يحتاج لتحرير موطن الخلاف، فيكون المقال موافقًا للحال المسؤول عنها:
والسؤال الذي يحسن هنا أن نقول: هل هناك فرق بين المغفرة والرحمة؟ وهل لهذا الفرق تأثير في رد السلام على غير المسلم؟
لعله من المفيد هنا أن نذكر أن الكل قد اتفق على استثناء الكافر المحارب، فبقي الاستفتاء في حكم إجابة الكافر غير المحارب، سواء كان ذِمِّيًّا في دار الإسلام أو كنا مستأمنين في بلده.
وهذا اقتضى بالضرورة تفصيلًا وتحقيقًا في الفرق بين ما يرد في صيغة السلام، وما يشتبه معه من الألفاظ الأخرى كالمغفرة.
وأقول:
أولا: الأصل في العرف اللغوي والدلالي أن اختلاف المبنى يؤدي لاختلاف المعنى، وذلك بأصل الوضع، وإلا كانت اللغة تكرارًا ولغوًا.
ليس هذا في الكلمات مختلفة الجذر بل في الكلمات ذات الجذر الواحد فـ(نزل) بالتخفيف غير (نزَّل) بالتشديد مع اتحاد الجذر، ويكون هذا أبين وأوضح إذا اختلف الجذر، فرحم تختلف عن غفر بأصل الوضع.
وأهل الحديث مثلا الذين هم أقرب الأفهام إلى التفسير الظاهري فرقوا بين: الخبر والأثر والحديث والرواية، مع أنها كلها تعني النقل.
وأهل الفقه أيضًا فرقوا بين السنة والنفل، وبين الندب والاستحباب، وكلها ألفاظ متقاربة في المعنى.
ثانيًا: الرحمة معنى واسع يشمل أمور الدنيا والحساب في الآخرة، فالدعاء بشفاء المريض من طلب الرحمة، لا من طلب المغفرة، وهو جائز للمسلم ولغير المسلم، وسعة الرزق أو صلاح الولد من أعمال الدنيا مندوبة للمسلم ولغيره من غير المحاربين، وهي بهذا المعنى مقصودة في رد السلام أو في المبادرة به.
ثالثًا: دعوى عدم انتفاع غير المسلم بعمله النافع الصالح لمجرد كفره فيها مجازفة من جهة النظر ومن جهة التطبيق.
فهل الملايين الذين خرجوا معنا في المظاهرات ضد الصهاينة وضد حكوماتهم وعرضوا أنفسهم للسجن والبطش والكراهية لا يفيدون من عملهم؟! وهل هذه دعوانا فيهم واعتقادنا عنهم؟
إذن، نحن منافقون: نطلب دعمهم ونلعنهم في ذات الوقت!!
وهل المسلم الذي فتح بلاده لأعداء الأمة ويخذل، ويوالي أعداء الأمة على بعض أهل الإسلام أحق بالسلام والرحمة من غيره لمجرد أنه يشهد الشهادتين.
إذن، فنحن مرجئة في النظر والتطبيق.
رابعًا: استشهد البعض بآية سورة فاطر: ﴿‌وَلَا ‌يُخَفَّفُ ‌عَنْهُمْ ‌مِنْ ‌عَذَابِهَا﴾ [فاطر: 36]. وهي كما ورد عن ابن عمر أشد آية نزلت في الكفار.
ولكن هذا النص فهم واستدل به على غير ما ورد فيه، حيث فهم منه أن الكفار في النار لا يتفاوتون ولا أنهم يفيدون من عملهم الصالح.
وهذا ليس مقصودًا؛ فالعذاب قَطْعًا يتفاوت بين ملة الكفر، وعذاب فرعون وهامان ليس كعذاب أفراد الجيش الذي غرق وإن اشتركوا في الخطأ والجريمة، وعذاب قارون ليس كعذاب أفراد بني إسرائيل الذين اغتروا به، وإلا لما خصتهم النصوص بالذكر، وجعلهم الله منتهى الغاية في العذاب.
وقسمة النار لدركات تعني أن هناك تفاوتًا كبيرًا، وأنه كما أن أهل الجنة على درجات على حسب أعمالهم، فأهل النار على دركات على حسب أعمالهم.
وعلى ذلك فطلب الرحمة للكافر حتى في عذاب يوم القيامة لا حرج فيه، ولا ينافي الآية، إذ إنها تتحدث عن العذاب بعد وقوع الحساب والتقدير، لا قبله، وقبله يجوز طلب التخفيف، فإذا وقع مخففًا أو مغلظًا فهو تحت سلطان الآية.
ولذا مثلا نجد الأخفش في إعراب القرآن يقول: (لا يخفف عنهم من العذاب الذي هو هكذا). أي الذي وقع به الحساب، أما قبل الحساب فالباب مفتوح للتجاوز عن البعض أو الأكثر.
وقال مكي في الهداية: (لا ينقص عنهم من النوع الذي هم فيه من العذاب). لا في المطلق .
وقال ابن عطية: (وقوله ﴿‌وَلَا ‌يُخَفَّفُ ‌عَنْهُمْ ‌مِنْ ‌عَذَابِهَا﴾ لا يعارضه قوله: ﴿‌كُلَّمَا ‌خَبَتْ ‌زِدْنَاهُمْ ‌سَعِيرًا﴾ [الإسراء: 97]، لأن المعنى لا يخفف عنهم نوع عذابهم والنوع في نفسه يدخله أن يخبو أو يسعر).
خامسًا: دعوى التخصيص في قصة أبي طالب، تفتقر لدليل، وما ورد: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [متفق عليه] بيان للعلة وليس دليلا على التخصيص؛ لأن شفاعة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لم تقع بسبب قرابة أبي طالب والتي هي مخصوصة، بل استحقها بسبب عمله ونصرته للإسلام ونبي الإسلام، وهذا يستوي فيه أبو طالب وغيره، فموجبها الفعل لا القرابة! فلا تخصيص.
المفتي: د خالد نصر