(ف274) ما حكم أخذ شيء وُجِدَ على الأرض في مكان عام حيث لا يوجد إدارة لإرجاع الشيء المفقود إليها، كدولار أو كوين أو لعبة بسيطة؟ وكما نعلم هنا في أمريكا إذا وجد الشخص محفظة وبداخلها نقود فمن حقه أخذ النقود كاملة دون مساءلة، لكن إسلاميًّا هل يجوز ذلك؟ مع العلم أن بداخل المحفظة بطاقة تعريف أو ما يساعد على التعرف على مالك المحفظة وردها إليه بكل محتوياتها كاملة.

أولا: اللقط بسكون القاف: هو أخذ الشيء، ومنه قوله تعالى: ﴿‌فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ [القصص: 8]. أما في الشرع فهو: مال معصوم، وجد في غير حرز، ولا يعرف مالكه.
فـ(المال المعصوم): هو مال المسلم والذمي والمستأمن.
و(وجد في غير حرز) ليخرج ما يجده الوارث في خزانة أبيه من غير أن يعرف أصله، وما يجده الناس في خزائن الحكام وأهل السلطة دون تمييز لهذا المال.
ثانيا: ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التقاط اللقطة، ويكون الأمر مندوبًا إذا خشي ضياع الشيء أو تلفه.
والذي يفهم من مجمل كلامهم أن اللقطة تنطبق عليها الأحكام التكليفية الخمسة، وهذا تفصيلها:
1_ اللقط الواجب: إذا خيف على المال الضياع تعين اللقط طريقًا لحفظها.
2_ اللقط المندوب: عند عدم الخوف عليها، ووثوقه بنفسه وقدرته على التعريف.
3_ اللقط المحرم: عندما يأخذ الملتقط المال الضائع لا لحفظه ورده إلى صاحبه بل نيته أن يأخذه لنفسه.
4_ اللقط المكروه: إذا التقطها ضعيف الديانة أو الأمانة لئلا تسوّل له نفسه الخيانة فيقع في الإثم، أي بمعنى يلتقطها من يشك في أمانة نفسه.
5_ اللقط المباح: إذا استوى الترك واللقط.
ثالثا: لا فرق بين اللقطة في دار الإسلام، ودار الكفر التي يدخلها المسلم بالأمان، ولا يختلف الحكم بجواز الأخذ إلا في اللقطة في دار الحرب ومع المحاربين، فيجوز أخذها غنيمة دون تعريف، وذلك كمن يجد شيئًا في أرض فلسطين المحتلة
ويغلب على الظن أنه لصهيوني، أو في كشمير المحتلة ويغلب الظن أنه لهندوسي محتل.
وما خلا ذلك فيقع عليه حكم اللقطة.
رابعًا: هناك أحكام تتعلق باللقطة المعصومة منها:
١- الإشهاد عليها:
لحديث: «من وجد لقطةً فليشهد ذا عدل -في لفظ (ذوي عدل)- لا يكتم ولا يُغيب، فإن وجد صاحبها فليردها عليه وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء». والحديث عند أحمد وأبي داود وابن ماجه من رواية عياض بن حمار.
وقد اختلف الفقهاء في حكم الإشهاد.
فذهب الظاهرية وقول عند الشافعية رجحه الشوكاني إلى وجوب الإشهاد.
وذهب الجمهور إلى الاستحباب فقط وإن لم يفعل فلا يأثم لأنه يكفي فيه ضمانه.
٢- معرفة وصفها وعددها:
وذلك لحديث حديث زيد بن خالد وفيه: «اعرف عفاصها ووكاءها» والعفاص هو الوعاء الذي تحفظ فيه كالمحفظة في زماننا، والوكاء هو الخيط الذي تعقد به صرة النقود، والشاهد معرفة وصفها وتوثيقه لئلا يختلط بماله.
٣- التعريف بها:
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم عند مسلم عن زيد بن خالد: «مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا».
ولقوله في الحديث الآخر: «… عرفها سنة».
والتعريف ليس له طريقة واحدة بل يقع بالعرف المعروف، فيمكن أن ينشر على المجموعات أو وسيلة من وسائل التواصل أنه وجد ملتقطًا، أو يعلن في المسجد، أو غيره.
ولكن يراعى في الإعلان الحفاظ على أمنه وأمن من يعول، فلا يطرق الناس بيته أو يتقحموا خصوصيته، والأفضل أن ينقل اللقطة إلى جهة عامة مثل المسجد أو الكنيسة إن ظن أنها من مال الكتابي، فإن لم يفعل وجب عليه التعريف بالصورة التي يصل بها البلاغ.
ويستثنى من شرط التعريف أمور منها:
– الشيء اليسير كالمبالغ البسيطة التي لا يقع بها حد السرقة.
– الشيء الذي يفسد مع الوقت كالفاكهة والخضراوات واللحم والسمك.
– ما يخشى أن لو عرفه يأخذه السلطان الجائر.
٤- أن يبقي المعرف عنده سنة: قبل أن يستعمله لنفسه، وذلك للحديث الذي ذكرناه وهو رأي الأئمة الأربعة والظاهرية وغيرهم.
أما الشيء اليسير فيبقيه ثلاثة أيام.
٥- أن الملتقِط ضامن للملتقَط: فمتى رجع صاحبه يعطيه إياه أو قيمته إن كان قد استهلكه.
وله هنا حالان:
الأول: أن يطالب بها صاحبها قبل تمام الحول، فهنا يجب عليه ردها.
الثاني: أن يأتي صاحبها بعد تمام الحول، فعلى الملتقِط عينها أو قيمتها.
أما إن لم يأت أحد بعد الحول، فالجمهور على أنه يأخذها لنفسه غنيًّا كان أو فقيرًا. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية.
وفرق الأحناف والمالكية بين الفقير والغني، فقالوا: للفقير أخذها لنفسه، أما الغني فيتصدق بها عند الأحناف، وهو بالخيار عند المالكية.
وعليه: فلا يوجد حرج في التقاط الشيء التافه (باعتبار العرف) كالأشياء المذكورة في الشطر الأول من السؤال، ولا يتوجب التعريف بها؛ لأنها عفو لا يلتفت إليه في العادة، وذلك كالأقلام الملقاة في الطريق والأوراق، وما يتركه الناس أمام البيوت للسيارة والمارين.
ولا يعلن باللقطة إلا إذا كانت ذات قيمة عرفًا.
المفتي: د خالد نصر