(ف297) هل تجزئ المسامحة عند وجود خلافات في ظهر الغيب، من دون أن يكون هناك سعي لعودة التواصل معهم، خصوصًا إذا خشينا من استمرار الأذى النفسي لطبيعة هؤلاء الأشخاص، مع كون الأشخاص بينهم صلة رحم؟

إن قُصِدَ بالمسامحة التنازل عن حق مزعوم لدى الطرف الآخر، فهذا من التصرفات الجائزة، فكل مكلف له أن يسقط حقه عند الغير ما دام مكلفا، ويعي ما يفعل، سواء كان حقًّا ماديًّا أو معنويًّا، وله أن يفعل ذلك بينه وبين خصمه، أو بينه وبين نفسه دون إعلام الخصم، والقاعدة أن الأصل هو إعمال تصرفات المكلفين.
وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم حقه عند أهل مكة، وأسقط نبي الله يوسف حقه عند إخوته مع وضوح ظلم الطرفين.
أما عودة التواصل فليس بواجب، لا سيما إذا كان ينتج عن التواصل تجدد مظنة الخصومة.
وقد وقع شبه ذلك مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما نقله البخاري من قصة إسلام وحشي وفيها يقول وحشي: “قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال: «أنت وحشي؟» قلت: نعم، قال: «أنت قتلت حمزة؟»
قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: «فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني»، قال: فخرجت..”. ولم يرجع وحشي المدينة حتى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد علق ابن حجر على ذلك بقوله : وفيه -أي في الحديث- أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى.
وكذلك يدل على ذلك المعنى ما كان من سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما رأى قاتل أخيه زيد بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن عاد للإسلام من ردته وجاء ليأخذ نصيبه من العطاء، وهو أبو مريم الحنفي، فقال له عمر: “والله لا أُحبّكَ حتى تُحب الأرض الدم المسفوح”. قال أبو مريم: فتمنعني لذلك حقًّا؟ قال: “لا..” قال أبو مريم: فلا ضَير، إنّما يأسفُ على الحبّ النساء.
والشاهد أن عمر عامله بالعدل مع أنه لم ينس له قتل أخيه.
فمن استطاع أن يتسامى على ما في نفسه فليفعل، ومن لم يستطع فليحفظ الحد الأدنى من حق المسلم والقريب، وليس عليه تواصل الأصحاب أو أهل المودة.
المفتي: د خالد نصر