(ف302) ما الصحيح في عدد ركعات التراويح؟

بالنسبة لصلاة التراويح وما يتعلق بها من هيئة وعدد فنقول وبالله التوفيق:
أولا: من جهة التعريف فالتراويح جمع ترويحة، والترويحة هي الجلسة الخفيفة أو الاستراحة بين ركعات صلاة قيام رمضان، وهي بذا تكون من باب إطلاق الأثر على المؤثر.
واسم تراويح يناسب فعل الصلاة في رمضان إذ هي باب راحة وقرب من الله، والصلاة صلة واتصال وهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرحنا بها يا بلال».
وعلى ذلك فقد فرق الاستعمال اللغوي بين عدة ألفاظ وجعل بينها عمومًا وخصوصًا:
• فقيام الليل لفظ عام يشمل كل صلاة من غروب الشمس إلى صلاة الفجر، كما يشمل أيضا كل ذكر في هذا الوقت كقراءة القرآن والدعاء والتسبيح والمدارسة، فكل هذا من قيام الليل.
ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) ‌قُمِ ‌اللَّيْلَ ‌إِلَّا قَلِيلًا﴾ [المزمل: 1-2]، فسورة المزمل هي الثالثة في النزول ولم يكن ثمة ما يصلَّى به طوال الليل، فبقي أن قيامه كان صلاة وذكرًا.
• وهناك أيضا التهجد، وهو صلاة الإنسان بالليل، ولكنه يسبقه نوم، فمن نام في الليل واستيقظ للصلاة في أي وقت من الليل فهو متهجد ﴿‌وَمِنَ ‌اللَّيْلِ ‌فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء: 79].
ثانيا: صلاة قيام الليل والتهجد قديمة بقدم الإسلام كما ذكرنا الأمر بها في سورة المزمل للنبي والمؤمنين، أما صلاة التراويح فقد اختصت بشهر رمضان.
وأقدم ما ورد إلينا في صلاتها بصورتها التي هي عليها الآن ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في السنة العاشرة من الهجرة النبوية، وأنه صلاها عدة ليال منفردًا، ولم يعش بعد ذلك لرمضان من قابل.
واستمر الصحابة عليها فرادى حتى جاء وقت عمر لسنتين من خلافته فجمع الناس على إمام واحد بالصورة التي نصليها نحن الآن في المساجد، وصارت سنة ماضية في عبادة رمضان.
ثالثا: اختلفت الرواية في عدد ركعات صلاة التراويح، وهذا مختصر المذاهب:
١- جمهور الفقهاء أن عدد ركعات التراويح عشرون ركعة فضلا عن الوتر، وهذا هو قول المذاهب الأربعة.
قال الكاساني الحنفي: (جمع عمر أصحاب رسول الله في شهر رمضان على أبي بن كعب فصلى بهم عشرين ركعة ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعا منهم على ذلك).
وقال ابن عرفة الدسوقي المالكي: (كان عليه عمل الصحابة والتابعين).
وقال النووي الشافعي: (مذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات غير الوتر، وذلك خمس ترويحات، والترويحة أربع ركعات بتسليمتين، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه، وأحمد، وداود، وغيرهم، ونقله القاضي عِياض عن جمهور العلماء).
وقال ابن تيمية الحنبلي: (فإنه قد ثبت أن أبي بن كعب رضى الله عنه كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان، ويوتر بثلاث. فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر).
وعده البهوتي الحنبلي إجماعا فقال: (وهذا في مظنة الشهرة بحضرة الصحابة فكان إجماعًا).
٢- ذهب المالكية في وجه أن التراويح ست وثلاثون ركعة، وذلك عمل أهل المدينة؛ لأنهم رأوا أن أهل مكة يصلون خمس ترويحات بعشرين ركعة ويطوفون بالبيت بين كل ترويحتين، فيكون المجمل خمس ترويحات وأربع طوافات، وحيث إنه لا طواف في مسجد النبي فقد زادوا بكل طواف ترويحة حتى صار العدد ستا وثلاثين.
٣- ذهب بعض أهل الحديث إلى أن صلاة التراويح هي ثماني ركعات فضلا عن الوتر واستدلوا بحديث عائشة في الصحيحين: “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرةَ ركعةً، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا”. قالت عائشة: قلت: يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ قال: «يا عائشة، إن عينَيَّ تنامانِ ولا ينامُ قلبي».
وفي رواية لهما عنها: “كان يصلي من الليل عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويركع ركعتَي الفجر، فتلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً”.
ولا يخفى ما في رواية السيدة عائشة من لبس حيث ذكر: “ثم يصلي ثلاثا” وهو الوتر ، ومن بعد هي تسأل عن نومه قبل الوتر ، وإن احتمل الفصل بين الأربعتين والثلاث بالنوم.
والصواب من لفظ الجمع (تراويح) يحتمل العشرين، وذلك أن الصلاة تسمى التراويح وهي جمع، والترويحة تكون بعد أربعة، ومقتضى الجمع يقول: إن أقل ما يقع عليه اللفظ هو ثلاث مرات فيكون الإجمال اثنتي عشرة ركعة، وهو أكثر من الثمانية.
٤- أنه لا يوجد عدد معين لصلاة التراويح وهو رأي ابن تيمية حيث قال: (قيام رمضان لم يُوَقِّتِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه عددًا معينًا، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على ثلاثَ عشرةَ ركعةً، لكن كان يُطِيل الركعات، فلمَّا جمعهم عمر رضي الله عنه على أُبَي بن كعب كان يُصلِّي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث، وكان يُخفِّف القراءة بقدر ما زاد من الركعات؛ لأن ذلك أخفُّ على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفةٌ من السلف يقومون بأربعين ركعة، ويوترون بثلاثٍ، وآخرون قاموا بستٍّ وثلاثين، وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغٌ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه، فقد أحسن، والأفضلُ يختلف باختلاف أحوال المصلِّين، فإن كان فيهم احتمالٌ لطول القيام بعشر ركعات وثلاثٍ بعدها؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي لنفسه في رمضان وغيره، هو الأفضل، وإن كانوا لا يتحملونه، فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يُكرَه شيء من ذلك، وقد نصَّ على ذلك غيرُ واحد من الأئمة؛ كأحمد وغيره، ومَن ظن أن قيام رمضان فيه عددٌ مؤقَّت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزاد فيه ولا ينقص منه، فقد أخطأ).
والذي نراه أن الأمر متسع، وأننا نفرق بين ما يجتمع عليه الناس في المسجد وما يصليه المسلم منفردًا؛ فحال المسجد حال الجماعة يكون بالاتفاق ومراعاة أحوال الناس وجانب الوقت وطول الليل وقصره، وحال الفرد متسع له أن يصلي ما شاء زيادة على الثمانية.
المفتي: د خالد نصر