(ف322) إذا كان الهدف من صدقة الفطر هو مراعاة شعور الفقير في يوم العيد، فهل هناك وقت محدد يجب أن يتم فيه توزيع هذه الصدقة؟ وهل يأثم المسؤولون في المساجد والمؤسسات التي تجمع زكاة الفطر إذا لم يقوموا بتوزيعها إلا بعد شهر مثلا؟

أولا: الحكمة من فرض زكاة الفطر متنوعة وليست فقط التوسعة على الفقراء في يوم العيد، فهي كما ورد في الحديث عن ابن عباس: (فَرَضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ، طُعْمَةً لِلْمَساكِينِ). فهي إذن زكاة أبدان لا زكاة أموال.
فهي جبر لنقصان ما وقع في الصوم من سهو أو خطأ أو غفلة.
وكذلك هي توسعة على الفقير بما يحتاجه بعد شهر الصوم، لا سيما في يوم العيد.
ثانيا: ذهب الفقهاء إلى أن الأفضل والأسن إخراج الزكاة قبل صلاة العيد.
فعند الشافعية والحنابلة -وهو قول عند المالكية- أن زكاة الفطر تجب عند غروب شمس آخر يوم من رمضان.
وقال الأحناف والمالكية -في القول الثاني- والظاهرية أنها تجب بطلوع فجر يوم العيد.
وذهب الجمهور إلى جواز إخراجها إلى غروب شمس يوم العيد.
ويحرم عندهم جميعًا تأخيرها عن يوم العيد -الذي ينتهي بغروب شمسه- من غير عذر، ولا تسقط بهذا التأخير، بل يجب قضاؤها.
فمن تأخر في أدائها لعذر شرعي أداها وقت قدرته على الأداء سواء كان ذلك بعد صلاة العيد أو في وقت من أيام السنة، ومن تأخر لغير عذر لزمته أيضا وأداها في أي وقت من السنة، ويأثم بتأخيرها عن وقتها الفاضل.
أما ما يخص تأخير توزيع الزكاة بعد فصلها عن مال المزكي، سواء كانت بالضمان في يده، أو بالأمانة في يد وكيله (ويدخل فيها المؤسسات والمساجد والجهات التي تتولى جمع الزكاة وتوزيعها):
فالأصل في هذا الباب هو مراعاة أحوال المستحقين؛ فإن كان المستحقون من أهل الشهود، فلا يحسن تأخيرها، إذ المال مالهم، وحجبه عنهم منع للحقوق. وإن كان المستحقون من أهل الغيبة، أو حاجتهم متجددة، أو يخشى منهم إهلاك مال الزكاة فيما لا ينفع مع تجدد الحاجة، ففي هذه الحالات يجوز ليد الضمان أو يد الأمانة أن تتلبث وقتا في دفع الزكاة.
وإن اختلف العلماء في حده، فقال بعضهم: يكون وقتا يسيرًا.
قال الرحيباني :[(وله تأخيرها)، أي: الزكاة (لأشد حاجة) أي: ليدفعها لِمَن حاجَتُه أشدُّ مِمَّن هو حاضرٌ نصًّا، وقيَّده جماعةٌ بزمنٍ يسير].
ورأى البعض أنها أصلا تجب على التراخي وهو مذهب السادة الأحناف.
قال الحموي في الظهيرية: (ثم الزكاة تجب على التراخي في رواية ابن شجاع عن أصحابنا، وعن محمد رحمه الله: على الفور، وعنه: إذا حال عليه حَوْلان ولم يُؤَدِّ أَثِم ولم تُقبَل شهادتُه)
والذي يفهم من كلام محمد أنه لا يأثم قبل أن يمر عليها حولان وهي في يده.
وخلاصة ما نراه: أن يد الضمان ويد الأمانة في الزكاة يجوز لها أن تتمهل في توزيع مال الزكاة خلال الحول الجديد، وذلك لمراعاة حال المحتاجين، وكذلك لتجدد النوازل التي قد تقع وتحتاج لمال الزكاة.
المفتي: د خالد نصر