أما حديث عائشة فقد روي هذا الحديث بعدة روايات منها ما ورد في الصحيح وفي غيره؛ فقد رواه الإمام أحمد في المسند قال: «حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرًا فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ ﷺ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ وَدَخَلَتْ دُوَيْبَّةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا» [المسند: 18/188- 189 حديث رقم 26194]. ورواه ابن ماجه بلفظ قريب وسند قريب، إلا أن فيه: «دخل داجن فأكلها» [سنن ابن ماجه: حديث رقم 1944].
ففي رواية أحمد وابن ماجه روي الحديث عن محمد بن إسحاق، وهو صاحب السيرة المشهور، وهو ممن اختلفت الرواية في جرحه وتعديله اختلافًا كبيرًا، حتى إنك إن قرأت تعديله رفعته إلى أعلى درجة، وإن قرأت جرحه تركته جملة، وقد كفانا ابن سيد الناس اليعمري تتبع كل ذلك في كتابه (عيون الأثر)، حيث ترجم لابن إسحاق ترجمة وافية [انظر عيون الأثر: 1/54 وما بعدها].
وعليه فهذه الرواية فيها علتان؛ الأولى: الخلاف في تعديل محمد بن إسحاق ومدار الرواية عليه، الثانية: أنها تخالف رواية الأوثق، والتي هي عند مسلم وغيره، والرواية عن يحيى بن يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة عن عائشة قالت: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ»[ صحيح مسلم: حديث رقم 1452]. ورواه مالك في الموطأ، وقال راويه عنه يحيى بن يحيى: «قال مالك: وليس على هذا العمل» [انظر الموطأ: 608].
إذن: فزيادة ابن إسحاق تخالفها رواية مالك ومسلم وغيرهما، ورواة حديثهما أوثق من رواية ابن إسحاق، فلا يجب أن يعتد بزيادته التي تنسب إلى القرآن ضياع بعضه. وإذا عدنا إلى رواية مسلم والموطأ وغيرهما الأخيرة نجد إشكالًا آخر، ألا وهو: «ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن». ونحن إذا تصفحنا المصحف الذي بين أيدينا لا نجد فيه حديثًا عن الخمس رضعات ولا غيرها من ذوات العدد، فأين ذهب النص؟
إن الاحتمالات التي يمكن أن تُطرح هنا أن النص الذي كان يُقرأ من القرآن كما وصفته السيدة عائشة في الرواية السابقة، قد نُسخ أيضًا، ولكن يرد على هذا الكلام سؤال هو: أين النص الناسخ؟ ويرد عليه كذلك سؤال ثانٍ، وهو: لماذا ينسخ النص من التلاوة مع بقاء الحكم؟ والحق أننا لا نجد إجابة شافية كافية لكلا السؤالين؟
هل يصح في العقول نسخ التلاوة مع بقاء الحكم في مسألة تتعلق بالأعراض والحلال والحرام؟! وهل يمكن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم في مسألة تتعلق بحياة الإنسان كما هو الحال في حديث آية الرجم؟! وما الحكمة في ذلك غير إدخال الشك؟! وهل يُعقل بقاء التلاوة في أحكام أقل قسوة في صورتها كالجلد والقطع، ونسخ ما تتعلق به حياة الناس ومماتهم.
وعليه فقد علق الإمام الطحاوي على هذا الأمر بعد أن استقصى كل روايات الحديث المذكور بقوله: «لو كان ما رَوَى كما رَوَى- يعني عبد الله بن أبي بكر الذي عليه مدار الحديث- لوجب أن يُلحق بالقرآن- يقصد الرضعات الخمس- وأن يقرأ به في الصلوات، كما يقرأ فيها سائر القرآن، وأن يكون أصحاب رسول الله قد تركوا بعض القرآن، فلم يكتبوه في مصاحفهم، وحاشا لله أن يكون كذلك، أو يكون قد بقي من القرآن غير ما جمعه الراشدون المهديون، ولأنه لو كان ذلك كذلك، جاز أن يكون ما كتبوه منسوخًا وما قصروا عنه ناسخًا، فيرتفع فرض العمل، ونعوذ بالله من هذا القول ومن قائليه»[ شرح مشكل الآثار 11/491].
وعليه: فالرواية وإن كانت صحيحة السند، فلا يجب أن تخالف المتفق عليه أو تطعن فيه وفي توثيقه، وحين يكون الحال كذلك فالأمر الذي يُصَارُ إليه: إما تأويل الرواية تأويلًا مقبولًا لا يعارض المتواتر المستقر، أو أن يحكم بشذوذها وردها، ولذا نجد إمامًا مثل الإمام مالك وهو راوي الحديث يقول: «وليس على هذا العمل». وهو رد صريح لمضمون الرواية.
أما بالنسبة لسؤالك الثاني عن قول سيدنا عمر في الرجم فهذا الكلام الذي أشرت إليه ورد في رواية عنه أخرجها ابن ماجه في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال عمر بن الخطاب: “لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: ما أجد الرجم في كتاب الله. فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة، أو كان حمل أو اعتراف، وقد قرأتها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده”.
ومثله ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: “كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة فكان فيها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
وروى ابن حبان في صحيحه عن العجماء الأنصارية: (الشيخُ والشيخَةُ إذا زنَيَا فارْجُموهُمَا البتَةَ بمَا قَضَيَا من اللذَّةِ) وفي رواية: (لقد أقرَأَناها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ آية الرَّجمِ الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجموهما البتَّةَ بما قضيا من لذَّتِهما).
إلى غير ذلك من الروايات الشبيهة، ولنا هنا تعليقات:
أولا: إذا نظرنا إلى هذا النص من جهة الرواية سنجد أن الروايات قد اختلفت في تحديد النص القرآني، فمنها من يقول: كان النص ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة نكالا من الله والله عليم حكيم).
ومنها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم).
ومنها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من لذتهما).
ومنها: ( والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم).
وهذا يدل على أنه لا اتفاق على النص كحال القرآن الكريم الذي لا يختلف الناس في إثبات نصه كما في أشباه هذا النص من الأحكام ومثله قوله: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [النور: 2]. وقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: 38].
ثانيا: من جهة النقل عن سيدنا عمر نجد أن رواية ابن ماجه والنسائي وغيرهما تدور على رواية سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: سمعت عمر: ….
وسفيان هو ابن عيينة وهو من أصحاب الزهري، إلا أنه هنا انفرد بزيادة النص على آية الرجم خلافا لثمانية من أصحاب الزهري. وهم :
صالح بن كيسان؛ كما في صحيح البخاري رقم 6830.
يونس بن عبد الأعلى؛ كما في صحيح مسلم رقم 1691، وسنن النسائي الكبرى رقم 7158-4/ 247.
هشيم؛ كما في مسند الإمام أحمد 1/ 29، وسنن أبي داود رقم 4418.
معمر؛ كما في مصنف عبد الرزاق رقم 13329، ومسند الحميدي 1/ 15، 16، وأحمد في مسنده 1/ 47، والترمذي في جامعه رقم 1432.
مالك؛ كما في موطئه ص823، والشافعي في الأم 5/ 154، وأحمد في المسند 1/ 40، والدارمي في مسنده 2/ 179، والنسائي في الكبرى رقم 7158 – 4/ 274.
عبد الله بن أبي بكر بن حزم؛ كما في السنن الكبرى للنسائي، رقم 7159 – 4/ 274 بإسناد صحيح إليه.
عقيل؛ كما في السنن الكبرى للنسائي 7160 – 4/ 274.
سعد بن إبراهيم؛ كما في مسند أحمد 1/ 50، وسنن النسائي الكبرى 7151 – 4/ 272 بإسناد صحيح إليه.
وبهذا يتبين أن الآية: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) غير محفوظة في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المذكور بالطريق السابق.
ولذا قال النسائي رحمه الله في سننه الكبرى 2/ 273: لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة) غير سفيان، وينبغي أنه وهم، والله أعلم.
ثالثا: من جهة النظم، نجد أن هذه الآية المزعومة لا تتبع نظم القرآن، بل هي كلام غريب على النسق القرآني.
فكلمة (الشيخ والشيخة) لا نظير لهما في القرآن، ومن غير المفهوم المقصود منهما، فهل هما على أصل الإطلاق، بمعنى الطاعن في السن والكبير، وذلك كما قال الشاعر: زعمتني شيخا ولست بشيخ **** إنما الشيخ من يدب دبيبا
أو المقصود: المحصن بمقابل غير المحصن .
فإن كان الأول: فهنا يكون الحكم لا متعلق له بالإحصان وإنما بسن الفاعل، وهذا ما لا يقول به أحد من الفقهاء الذين يقولون بالرجم.
وإن كان الثاني؛ فلا يعرف في اللغة المحصن بمعنى الشيخ، أو الشيخ بمعنى المحصن، بل قد يكون المحصن شيخًا وقد يكون شابًّا، وقد يكون فتى يافعا، ولا دخل للشيخوخة بالإحصان.
والأولى أن يأتي النص بلفظ المحصن والمحصنة.
وكذلك هناك لفظ (البتة) وهو لفظ غريب على القرآن وغير مفهوم قصده، فهل معناه السرعة في البت، أو معناه العزم وعدم الاستئناف، أو معناه التسوية بين الرجل والمرأة، وهي كلها معان محتملة لهذه اللفظة الغريبة على اللسان والأذن.
رابعا: وإذا سلمنا بوجود آية تسمى آية الرجم؛ فلنا أن نسأل:
لماذا نسخت آية بهذه الأهمية يتعلق بها حياة إنسان وموته، وهو موت ليس عاديًّا، بل موت فيه تعذيب لا يتناسب مع روح الشريعة الإسلامية؟
وإذا كانت قد نسخت، فأين النص الناسخ ؟ فلكل منسوخ ناسخ.
والذي نراه وندين به:
أن حكم الرجم لم ينزل به نص إسلامي، ولا يوجد آية واحدة تؤيده، وإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم على شريعة اليهود، وقد كانت عقوبة الزنى عندهم الرجم، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم في البداية، حتى إذا نزلت آيات سورة النور نسخت فعله صلى الله عليه وسلم وجعلت العقوبة هي الجلد، وهي تتناسب مع باب العقوبات في الشريعة الإسلامية، التي تحرم التعذيب والتمثيل بالميت.
وأما الروايات السابقة فلا تخلو من مقال في السند أو في المتن كما بينا.
والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر
ففي رواية أحمد وابن ماجه روي الحديث عن محمد بن إسحاق، وهو صاحب السيرة المشهور، وهو ممن اختلفت الرواية في جرحه وتعديله اختلافًا كبيرًا، حتى إنك إن قرأت تعديله رفعته إلى أعلى درجة، وإن قرأت جرحه تركته جملة، وقد كفانا ابن سيد الناس اليعمري تتبع كل ذلك في كتابه (عيون الأثر)، حيث ترجم لابن إسحاق ترجمة وافية [انظر عيون الأثر: 1/54 وما بعدها].
وعليه فهذه الرواية فيها علتان؛ الأولى: الخلاف في تعديل محمد بن إسحاق ومدار الرواية عليه، الثانية: أنها تخالف رواية الأوثق، والتي هي عند مسلم وغيره، والرواية عن يحيى بن يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة عن عائشة قالت: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ»[ صحيح مسلم: حديث رقم 1452]. ورواه مالك في الموطأ، وقال راويه عنه يحيى بن يحيى: «قال مالك: وليس على هذا العمل» [انظر الموطأ: 608].
إذن: فزيادة ابن إسحاق تخالفها رواية مالك ومسلم وغيرهما، ورواة حديثهما أوثق من رواية ابن إسحاق، فلا يجب أن يعتد بزيادته التي تنسب إلى القرآن ضياع بعضه. وإذا عدنا إلى رواية مسلم والموطأ وغيرهما الأخيرة نجد إشكالًا آخر، ألا وهو: «ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن». ونحن إذا تصفحنا المصحف الذي بين أيدينا لا نجد فيه حديثًا عن الخمس رضعات ولا غيرها من ذوات العدد، فأين ذهب النص؟
إن الاحتمالات التي يمكن أن تُطرح هنا أن النص الذي كان يُقرأ من القرآن كما وصفته السيدة عائشة في الرواية السابقة، قد نُسخ أيضًا، ولكن يرد على هذا الكلام سؤال هو: أين النص الناسخ؟ ويرد عليه كذلك سؤال ثانٍ، وهو: لماذا ينسخ النص من التلاوة مع بقاء الحكم؟ والحق أننا لا نجد إجابة شافية كافية لكلا السؤالين؟
هل يصح في العقول نسخ التلاوة مع بقاء الحكم في مسألة تتعلق بالأعراض والحلال والحرام؟! وهل يمكن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم في مسألة تتعلق بحياة الإنسان كما هو الحال في حديث آية الرجم؟! وما الحكمة في ذلك غير إدخال الشك؟! وهل يُعقل بقاء التلاوة في أحكام أقل قسوة في صورتها كالجلد والقطع، ونسخ ما تتعلق به حياة الناس ومماتهم.
وعليه فقد علق الإمام الطحاوي على هذا الأمر بعد أن استقصى كل روايات الحديث المذكور بقوله: «لو كان ما رَوَى كما رَوَى- يعني عبد الله بن أبي بكر الذي عليه مدار الحديث- لوجب أن يُلحق بالقرآن- يقصد الرضعات الخمس- وأن يقرأ به في الصلوات، كما يقرأ فيها سائر القرآن، وأن يكون أصحاب رسول الله قد تركوا بعض القرآن، فلم يكتبوه في مصاحفهم، وحاشا لله أن يكون كذلك، أو يكون قد بقي من القرآن غير ما جمعه الراشدون المهديون، ولأنه لو كان ذلك كذلك، جاز أن يكون ما كتبوه منسوخًا وما قصروا عنه ناسخًا، فيرتفع فرض العمل، ونعوذ بالله من هذا القول ومن قائليه»[ شرح مشكل الآثار 11/491].
وعليه: فالرواية وإن كانت صحيحة السند، فلا يجب أن تخالف المتفق عليه أو تطعن فيه وفي توثيقه، وحين يكون الحال كذلك فالأمر الذي يُصَارُ إليه: إما تأويل الرواية تأويلًا مقبولًا لا يعارض المتواتر المستقر، أو أن يحكم بشذوذها وردها، ولذا نجد إمامًا مثل الإمام مالك وهو راوي الحديث يقول: «وليس على هذا العمل». وهو رد صريح لمضمون الرواية.
أما بالنسبة لسؤالك الثاني عن قول سيدنا عمر في الرجم فهذا الكلام الذي أشرت إليه ورد في رواية عنه أخرجها ابن ماجه في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال عمر بن الخطاب: “لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: ما أجد الرجم في كتاب الله. فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة، أو كان حمل أو اعتراف، وقد قرأتها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده”.
ومثله ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: “كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة فكان فيها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
وروى ابن حبان في صحيحه عن العجماء الأنصارية: (الشيخُ والشيخَةُ إذا زنَيَا فارْجُموهُمَا البتَةَ بمَا قَضَيَا من اللذَّةِ) وفي رواية: (لقد أقرَأَناها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ آية الرَّجمِ الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجموهما البتَّةَ بما قضيا من لذَّتِهما).
إلى غير ذلك من الروايات الشبيهة، ولنا هنا تعليقات:
أولا: إذا نظرنا إلى هذا النص من جهة الرواية سنجد أن الروايات قد اختلفت في تحديد النص القرآني، فمنها من يقول: كان النص ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة نكالا من الله والله عليم حكيم).
ومنها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم).
ومنها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من لذتهما).
ومنها: ( والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم).
وهذا يدل على أنه لا اتفاق على النص كحال القرآن الكريم الذي لا يختلف الناس في إثبات نصه كما في أشباه هذا النص من الأحكام ومثله قوله: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [النور: 2]. وقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: 38].
ثانيا: من جهة النقل عن سيدنا عمر نجد أن رواية ابن ماجه والنسائي وغيرهما تدور على رواية سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: سمعت عمر: ….
وسفيان هو ابن عيينة وهو من أصحاب الزهري، إلا أنه هنا انفرد بزيادة النص على آية الرجم خلافا لثمانية من أصحاب الزهري. وهم :
صالح بن كيسان؛ كما في صحيح البخاري رقم 6830.
يونس بن عبد الأعلى؛ كما في صحيح مسلم رقم 1691، وسنن النسائي الكبرى رقم 7158-4/ 247.
هشيم؛ كما في مسند الإمام أحمد 1/ 29، وسنن أبي داود رقم 4418.
معمر؛ كما في مصنف عبد الرزاق رقم 13329، ومسند الحميدي 1/ 15، 16، وأحمد في مسنده 1/ 47، والترمذي في جامعه رقم 1432.
مالك؛ كما في موطئه ص823، والشافعي في الأم 5/ 154، وأحمد في المسند 1/ 40، والدارمي في مسنده 2/ 179، والنسائي في الكبرى رقم 7158 – 4/ 274.
عبد الله بن أبي بكر بن حزم؛ كما في السنن الكبرى للنسائي، رقم 7159 – 4/ 274 بإسناد صحيح إليه.
عقيل؛ كما في السنن الكبرى للنسائي 7160 – 4/ 274.
سعد بن إبراهيم؛ كما في مسند أحمد 1/ 50، وسنن النسائي الكبرى 7151 – 4/ 272 بإسناد صحيح إليه.
وبهذا يتبين أن الآية: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) غير محفوظة في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المذكور بالطريق السابق.
ولذا قال النسائي رحمه الله في سننه الكبرى 2/ 273: لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة) غير سفيان، وينبغي أنه وهم، والله أعلم.
ثالثا: من جهة النظم، نجد أن هذه الآية المزعومة لا تتبع نظم القرآن، بل هي كلام غريب على النسق القرآني.
فكلمة (الشيخ والشيخة) لا نظير لهما في القرآن، ومن غير المفهوم المقصود منهما، فهل هما على أصل الإطلاق، بمعنى الطاعن في السن والكبير، وذلك كما قال الشاعر: زعمتني شيخا ولست بشيخ **** إنما الشيخ من يدب دبيبا
أو المقصود: المحصن بمقابل غير المحصن .
فإن كان الأول: فهنا يكون الحكم لا متعلق له بالإحصان وإنما بسن الفاعل، وهذا ما لا يقول به أحد من الفقهاء الذين يقولون بالرجم.
وإن كان الثاني؛ فلا يعرف في اللغة المحصن بمعنى الشيخ، أو الشيخ بمعنى المحصن، بل قد يكون المحصن شيخًا وقد يكون شابًّا، وقد يكون فتى يافعا، ولا دخل للشيخوخة بالإحصان.
والأولى أن يأتي النص بلفظ المحصن والمحصنة.
وكذلك هناك لفظ (البتة) وهو لفظ غريب على القرآن وغير مفهوم قصده، فهل معناه السرعة في البت، أو معناه العزم وعدم الاستئناف، أو معناه التسوية بين الرجل والمرأة، وهي كلها معان محتملة لهذه اللفظة الغريبة على اللسان والأذن.
رابعا: وإذا سلمنا بوجود آية تسمى آية الرجم؛ فلنا أن نسأل:
لماذا نسخت آية بهذه الأهمية يتعلق بها حياة إنسان وموته، وهو موت ليس عاديًّا، بل موت فيه تعذيب لا يتناسب مع روح الشريعة الإسلامية؟
وإذا كانت قد نسخت، فأين النص الناسخ ؟ فلكل منسوخ ناسخ.
والذي نراه وندين به:
أن حكم الرجم لم ينزل به نص إسلامي، ولا يوجد آية واحدة تؤيده، وإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم على شريعة اليهود، وقد كانت عقوبة الزنى عندهم الرجم، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم في البداية، حتى إذا نزلت آيات سورة النور نسخت فعله صلى الله عليه وسلم وجعلت العقوبة هي الجلد، وهي تتناسب مع باب العقوبات في الشريعة الإسلامية، التي تحرم التعذيب والتمثيل بالميت.
وأما الروايات السابقة فلا تخلو من مقال في السند أو في المتن كما بينا.
والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر