(ف339) هل يجوز شراء البيرة لمعالجة بعض آفات الحدائق؟

هذا سؤال مهم وجوابه متعلق ببحث آخر، مفاده : هل يجوز الانتفاع بالأعيان المحرمة في غير ما جاء فيه التحريم؟
وهنا نقول وبالله التوفيق:
أولا: الأعيان بصفة عامة تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
١- عين محرمة من كل وجه مثل الخنزير، وهذه لا يجوز الاستفادة منها بأكل أو غيره إلا في حالتين:
– حالة الاضطرار الملجئ.
– حالة الاستحالة الكاملة.
٢- عين حل من كل وجه مثل الفواكه والخضراوات والسمك، وهذه يستفاد منها على كل حال.
٣- عين محرمة في باب حل في غيره، وذلك كالميتة، فهي حرام طعمها، ولكن يجوز الاستفادة من جلدها بالدباغ، ويجوز الاستفادة من قرونها وعظمها وأظفارها عند السادة الأحناف ورواية عن الحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله.
ثانيًا: تختلف المحرمات في علة وحكمة التحريم، وبصفة عامة فأسباب التحريم ترجع لرءوس عامة هي:
– كون المحرم نجسًا، وذلك مثل الخنزير عند من يقول بنجاسته وهم الجمهور، والميتة، والخمر عند من يقول بنجاستها.
– كون المحرم مستقذرًا، مثل الحشرات والمخاط.
– كون المحرم يمثل ضررًا، وذلك مثل السم.
– كون المحرم يناقض ما جاءت المقاصد لحفظه كالمسكر مع العقل، وكالانتحار مع النفس.
– كون المحرم ممنوعًا بالتعبد كتحريم الذهب على الرجال، ومثله الحرير، وكذكاة المحرم لأنه ليس من أهل التذكية بالنص.
– كون المحرم مكرمًا بأصل للخلق، وذلك كلحم الآدميين.
ثالثًا: بالنسبة للمشروبات المحرمة، فكل ما وقع به الضرر المستيقن أو الإسكار فهو محرم.
والمسكر هو ما كان الكثير منه بالنسبة للإنسان الطبيعي يذهب التعقل والوعي، وهذا محرم بالنص، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر حرام». وقوله: «اجتنبوا ما أسكر». وقوله: «ما أَسكَر كثيره، فقليله حرام».
وصناعة المسكر تختلف فيها نسبة المادة الكحولية، فبعضها يصل إلى ستين بالمائة، وأقلها نسبة هي البيرة، وتسمى الجعة بكسر العين وفتح العين، وتصنع من نبيذ الشعير مع بعض المواد الأخرى، ونسبة الكحول فيها حوالي ثلاثة بالمائة، ومع ذلك فهي محرمة بالنص المباشر لما رواه الترمذي بسنده عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنه نهى عن خاتم الذهب وعن القسي وعن الميثرة وعن الجعة”.
قال العلامة الحصكفي صاحب “الدر المختار”: (وحرمها محمد -أي ابن الحسن- أي الأشربة المتخذة من العسل والتين ونحوهما مطلقًا، قليلها وكثيرها، وبه يفتى، ذكره الزيلعي وغيره، واختاره شارح “الوهبانية”، وذكر أنه مروي عن الكل).
وقال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار: (قوله: [وبه يفتى] أي: بقول محمد، وهو قول الأئمة الثلاثة).
فالبيرة محرمة ما دامت تشتمل على الكحول بنسبة معتبرة.
رابعًا: قلنا إن المحرم قد يكون من كل وجه كالخنزير، ومنه ما يكون التحريم منصرفًا إلى محدد بالنص، وذلك كلحم الميتة، وكطعمة الخمر، أما ما خالف الوجه المحرم في الاستعمال، فقد وقع الخلاف بين الفقهاء في جوازه ومنعه، وسنعطي بعض الأمثلة:
١- جلد الميتة: ذهب الجمهور من الأحناف وبعض المالكية والشافعية ورأي عند الحنابلة إلى جواز الاستفادة بجلد الميتة للحيوان الذي يجوز أكله، وذلك إذا دبغ.
وذهب المالكية والحنابلة في رواية إلى منع ذلك.
٢- شحم الميتة: ذهب الجمهور إلى عدم جواز الاستفادة من شحم الميتة بحال.
وذهب الشافعية والحنابلة في رأي إلى جواز ذلك.
٣- الاستفادة بصوف الميتة وعظمها: ذهب الأحناف والحنابلة في رواية وابن عبد الحكم من المالكية إلى جواز ذلك لأنه لا حياة فيها، ومنعه الشافعية جملة، وفصل الجمهور بين ما فيه حياة وما هو جماد من أعضاء الميتة.
٤- لبن الميتة: أجازه الإمام الأعظم رضي الله عنه ووافقه ابن تيمية، وذهب الجمهور إلى تبعيته للميتة، ومثل ذلك منفحة الميتة.
٥- جلود السباع: ذهب الأحناف والشافعية والحنابلة في رواية وبعض المالكية مثل سحنون إلى جواز استعمالها بعد الدباغ.
وذهب المالكية والحنابلة في الرواية الثانية إلى حرمتها تبعًا لحرمة الأصل وهو ذو الناب.
خامسًا: مما سبق نستطيع أن نخلص إلى الآتي:
أنه وفقًا لرأي بعض العلماء فإن المحرم إذا استعمل لغير ما وقع فيه التحريم جاز استعماله، ولذلك استعمالات عند الفقهاء، وذلك كقولهم بجواز استعمال (السرقين) وهو زبل الحيوانات لتسميد الأرض، وهو مذهب الأحناف والمالكية والشافعية. مع أن السرقين من النجاسات.
وعليه: فاستعمال البيرة المحرمة لقتل الحشرات جائز، لأن التحريم منصرف للطعمة وليس لمطلق الاستعمال، واستعمال الشحم المحرم أكله في الإضاءة جائز.
المفتي: د خالد نصر