(ف34) هل هناك موقف للشرع في أن يبحث الرجل في هاتف زوجته أو أن تبحث الزوجة في هاتف زوجها؟ أعني البحث بدون إذن.

أولا: الأصل العام الذي جاء به الشرع هو حرمة التجسس لقوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا» [متفق عليه].
ثانيا: هناك حالات أجاز فيه الشرع التجسس ومنها على العدو وعلى أهل البغي والفتن والشرور حماية للمجتمع؛ قال النووي في شرح مسلم: (وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون، بل إن عَثَرَ على منكر غَيَّرَه جهده، هذا كلام إمام الحرمين، وقال أقضى القضاة الماوردي: ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات، فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت فذلك ضربان: أحدهما أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما لا يستدرك، وكذا لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار).
ثالثا: أما موضوع السؤال؛ فالمسألة فيها تفصيل: هل الزوج والزوجة ممن يتسامح في هذا ويقبله؟ هل هناك ما يدعو للريبة والتحري؟ ممن وقع هذا الفعل؟
الحالة الأولى: أن يكون هذا مما يقبله الزوجان عادة ويتسامحان فيه لسابقة المودة أو لدفع الارتياب فهذا في حكم المأذون فيه، وقياسه الإذن من الأكل من بيت الأخ والأخت والصديق وغيرهما دون إذن إن علمت المسامحة.
الحالة الثانية: أن يكون هناك ما يدعو إلى الريبة ويستدعي الأمر بالمعروف، وهذا يجوز للرجل فقط؛ لأنه منوط به القوامة لقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [متفق عليه]. وينصرف الحكم على تتبع أحوال الزوجة والأولاد. أما الزوجة فلا يحل لها هذا؛ لأنه لا قوامة لها ولا حسبة على زوجها، وإنما يقع لها ذلك على أولادها.
فإن كان هناك ما لا يدعو إلى الريبة فلا يحل شيء من ذلك لقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا». [متفق عليه]. وفي رواية مسلم: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ». أما مسألة: ممن يقع هذا؟ فالأصل أن الزوجة لا يحل لها هذا كما قلت، أما الزوج فيجوز له بالوصف السابق وإلا امتنع وحرم. هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر