(ف343) هل الوضع الحالي الذي نراه الآن من تزاحم البشر حول الكعبة وانتشار الأمراض بسبب هذا التزاحم غير الطبيعي في الحياة الاعتيادية، يعتبر حاجة معتبرة ترفع عن الحاج الإثم إذا لبس الكمامة وتعفيه من الفدية؟ وأيضًا، ما الجواب على القسم الثاني من السؤال؟ إن وجبت عليه الفدية، فهل هي واحدة أم اثنتان لمن أراد حج التمتع ولبس الكمامة في إحرامين منفصلين؟

قبل أن نفتي في حكم الكمامة لا بد أن نحدد أولا الممنوع على المحرم في باب اللباس:
فالممنوع على المحرم الذَّكَر في باب اللباس هو:
* المخيط المعتاد لبسه على هيئة العضو، ومنه القميص (الجلابية ونحوها) والسراويل والملابس الداخلية والجوارب، وقولنا (المخيط) لا يعني ما وقع فيه الخيط لضمه وحياكته، بل ما كان على هيئة العضو وإن لم يكن محيكًا، بمعنى أنه لو أخذ بعضهم قطعة قماش ففتحها من ناحية الرقبة وأدخل رأسه فيها حتى وإن لم يحكها، منعت لأنها صارت بمنزلة القميص، وبالعكس لو أخذ أحدهم سراويله ففتحها من الأجناب ومن أسفل حتى فقدت طبيعتها وتمييزها باعتبارها سروالا، جاز استعمالها.
فاعتبار عرف اللباس هنا حاضر؛ لأن العبرة ليست في نوع اللباس وإنما في نوع الارتفاق، وهو حكمة الإحرام الكبرى، لا التعري عن المخيط.
* العمامة بأنواعها سواء كانت مرسلة فوق الرأس أو مجموعة، وسواء كانت مخيطة أو غير مخيطة، وسواء كانت متصلة بالقميص مثل البرانس، أو منفصلة عنه.
* الخفاف سواء كانت منعلة أو غير منعلة، ويلحق بها الجوارب.
ففي حديث ابن عمر، قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، ما تأمرنا أن نلبس إذا أحرمنا؟ قال: «لا تلبسوا القميص، والسراويل، والعمائم، والبرانس، والخفاف، إلا أن يكون رجل ليس له نعلان فليلبس الخفين أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئًا من الثياب مسه زعفران ولا ورس». [أخرجه البخاري ومسلم].
والمرأة تلبس لباسها العادي مخيطًا أو غير مخيط ، ظاهرًا أو باطنًا، ولكنها تمنع من تغطية الوجه والكفين بما يغطى به عادة لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين» [أخرجه البخاري].
ثانيا: حكم تغطية الوجه في الإحرام:
نقل الإمام ابن قدامة الخلاف في حكم تغطية الوجه في الإحرام عند الرجال فقال: (وفي تغطية المحرم وجهه روايتان:
إحداهما: يباح. روي ذلك عن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وابن الزبير وسعد بن أبي وقاص وجابر والقاسم وطاوس والثوري والشافعي.
والثانية: لا يباح. وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لما روي عن ابن عباس أن رجلا وقع عن راحلته فأقعصته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبه، ولا تخمروا وجهه ولا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة يلبي». ولأنه محرم على المرأة فحرم على الرجل كالطيب.
ولنا ما ذكرنا من قول الصحابة ولم نعرف لهم مخالفًا في عصرهم فيكون إجماعا).
وأما المرأة فتمنع من لبس النقاب في وجهها والقفاز في كفيها، ولكنها لا تمنع من ستر وجهها جملة بما ليس نقابًا في العادة لما أخرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان ‏الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذوا بنا سدلت ‏إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا”. وروى أيضا عن أسماء بنت ‏أبي بكر رضي الله عنهما مثل ذلك.
وعلى ذلك:
فمسألة لبس الكمامة لا يجب أن يكون فيه شيء على المحرم رجلًا كان أو امرأة.
فبالإضافة لفوائدها الطبية والوقائية للابسها ومن هو في محيطه، فهي ليست غطاء للوجه في العادة، ولا تلبسها النساء باعتبارها تنقبًا؛ لأنها ليست النقاب المتعارف عليه، والنص جاء بمنع النقاب، ومن وضعت في يدها أكياسا، فليست بمتقفزة؛ لأن الكيس ليس قفازًا في العادة.
ولا يقول أحد ممن يستعمل الكمامة أنه منتقب في عرف اللغة أو الاستعمال، بل النقاب له وصف مخصوص عرفًا وشرعًا حتى في عرف غير المسلمين.
ومن هذا لا نرى حرجًا البتة في لبس الكمامة للرجال والنساء، سواء كان لمرض أو لوقاية؛ لأنها ليست من اللباس أو النقاب.
المفتي: د خالد نصر