(ف346) هاجرت عائلة مسلمة إلى كندا وبحثوا عن بيت يناسبهم للإيجار، ووجدوا بيتًا أعجبهم، لكن عند زيارتهم للبيت قال لهم المالك (وهو رجل): أنه يسكن مع زوجه (وهو رجل أيضا) -يعني اتضح لهم أنهم من جماعة المثليين- وأنهم يريدون أن يستثمروا أموال الإيجار في النفقة على ولدهم بالتبني. العائلة الآن تسأل عن حكم الشرع في التعامل والاستئجار من هؤلاء، وهل يعد هذا دعمًا للشذوذ والمثليين في هذه الحالة؟ وربما يقول قائل: إن المستأجر سيدفع نظير منفعة مباحة ولا علاقة له بشذوذهم ولا تبنيهم للطفل، وبهذا المنطق أليس من الأولى تحريم الاستئجار ممن تبين شركه وكفره بالله وإلحاده مثلاً؟ أو يندرج مع ذلك أيضًا تحريم الاستئجار من شاربي الخمور وهي من المعاصي التي ثبت في صاحبها اللعن؟ وهل ما تفتون به ينطبق أيضًا لو كان المؤجر الفاسق يقيم في مكان بعيد لا يراه فيه المستأجر ولا يخالطه؟

أولا: تعتبر المثلية في الشريعة الإسلامية من أشنع المعاصي، وقد جاءت أحكام الشريعة الإسلامية قاطعة في تحريم وتجريم المثلية، سواء كانت بين الرجال والرجال، أو النساء والنساء؛ قال تعالى: (﴿‌وَلُوطًا ‌إِذْ ‌قَالَ ‌لِقَوْمِهِ ‌أَتَأْتُونَ ‌الْفَاحِشَةَ ‌مَا ‌سَبَقَكُمْ ‌بِهَا ‌مِنْ ‌أَحَدٍ ‌مِنَ ‌الْعَالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: 80-81]. وقال تعالى: ﴿‌وَلُوطًا ‌آتَيْنَاهُ ‌حُكْمًا ‌وَعِلْمًا ‌وَنَجَّيْنَاهُ ‌مِنَ ‌الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾ [الأنبياء: 74].
وقال في عقوبة قوم لوط: ﴿‌وَلُوطًا ‌إِذْ ‌قَالَ ‌لِقَوْمِهِ ‌أَتَأْتُونَ ‌الْفَاحِشَةَ ‌وَأَنْتُمْ ‌تُبْصِرُونَ (٥٤) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [النمل: 54-58]. وقال في عقوبتهم أيضًا: ﴿‌إِنَّا ‌أَرْسَلْنَا ‌عَلَيْهِمْ ‌حَاصِبًا ‌إِلَّا ‌آلَ ‌لُوطٍ ‌نَجَّيْنَاهُمْ ‌بِسَحَرٍ﴾ [القمر: 34].
وإذا نظرنا إلى السنة المطهرة سنجد فيها ما يدل على عظم جريمة المثلية بنوعيها، وأنها من أغلظ الفواحش كما وصفها ابن حجر.
– فقد روى عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « … ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط». ‌[رواه أحمد].
– وقال في عقوبة من أتى هذا الفعل: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به». والحديث رواه جملة من أصحاب السنن بسندهم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد توقع أن يتسرب هذا الفعل اللعين إلى أمّته فقال فيما رواه عنه جابر رضي الله عنه: «إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط» [رواه الترمذي].
– قال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: “حرمة الدبر (المثلية) أعظم من حرمة الفرج (الزنى)، إن الله أهلك أمة بحرمة الدبر، ولم يهلك أمة بحرمة الفرج”.
وقد اتفق الفقهاء في كل المذاهب السنية والجعفرية على أن اللواط محرم، وأنه من أغلظ الفواحش.
ثانيا: المثلية من أسوأ الأمراض الاجتماعية والاختلالات الأخلاقية، وهو مفسد للمجتمع ولنظام العمران.
قال ابن القيم: (ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد؛ كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات).
وبسبب شؤم هذا الفعل فقد امتدّت عقوبة فعله التي وردت في القرآن إلى من رضي به حتى وإن لم يفعله، فقد روى القرآن عقوبة سدوم وفيها الرجال والنساء مع أن الفعل كان هو مثلية الرجال، ولم يرو مثلية النساء، ولكنهن كن يشجعن الفعل.
ثالثًا: على المسلم أن يكون حذرًا من هذا الفعل، وهذا الحذر لا يكون فقط بمجانبة الفعل، بل بمجانبة فاعليه، حتى لا تصيبه لعنة المجاورة، وشؤم المتاخمة، وسوءة المخالطة.
وليخف على أهله وذريته، وليبالغ في الخوف والحذر والوقاية، وليُضَحِّ من أجل ذلك بمتاع الدنيا الزائل، وليرغب بها إلى ما يحميه ويحمي أهله من فساد الدنيا وعقوبة الآخرة.
وعلى ذلك: فلا يجوز لهذه العائلة أن تستأجر البيت الذي ورد وصفه في السؤال، وأرض الله واسعة، وفيها ما يعوضهم أجرًا وأجرة. بل لا يجوز لهم السكنى وإن بذل لهم البيت مجانًا، لما ذكرناه من فحش الفعل وشؤمه.
أما بالنسبة لمسألة قول القائل: إن المستأجر سيدفع نظير منفعة مباحة ولا علاقة له بشذوذهم ولا تبنيهم للطفل، وبهذا المنطق أليس من الأولى تحريم الاستئجار ممن تبين شركه وكفره بالله وإلحاده مثلاً؟ أو يندرج مع ذلك أيضًا تحريم الاستئجار من شاربي الخمور وهي من المعاصي التي ثبت في صاحبها اللعن؟
أقول:
أولًا: الكبائر والمعاصي ليست على درجة واحدة في عقوبتها ولا تأثيرها، وقد يكون الفعل دون الكفر ويستلزم عقوبة دنيوية، ولذا فإن الكافر الأصلي لا عقوبة له في الدنيا، والمسلم العاصي قد تكون عليه عقوبة بسبب معصيته، فلا يقال: لِمَ لَمْ يعاقب الكافر على كفره بمقابل معاقبة المسلم العاصي على كبيرته؟
ثانيًا: الحال فيما نتكلم فيه هنا لا يكون فيه الحكم مجردًا عن سياقه وعواقبه، فكفر الكافر مقتصر عليه لا يتعداه إلى غيره، إلا أن يكون داعية أو مبشرًا، فإن كان كذلك فقد حق اجتنابه وتوقيه، وكذا الملحد.
وشارب الخمر إن لم يتعدَّ بشربه إلى غيره فإثمه على نفسه.
أما المثلية ففيها فساد الأسرة التي هي بنية المجتمع، ومن ثم فساد المجتمع، وفيه فساد الأخلاق، وضرره عام وليس مقتصرًا على فاعله.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذه الحركة صارت تتوسع كل يوم وصار لها مجموعات ضغط على المشرعين والمقننين في المجتمعات الغربية بما لا يضاهيه مجموعة أخرى خلا الصهيونية ومجموعات حمل السلاح، تبين مدى الخطر الذي يهدد حياة الناس الروحية والاجتماعية والأخلاقية. فصار التوقي وسد باب الذريعة له ما يبرره ، لا سيما أن بعض الهيئات العلمية صارت تسوغ هذا الفعل وتجد له ما يبرره طبيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا.
ولا يصح أن نسوي بين المعصية اللازمة والمعصية المتعدية.
فكل معصية تعدى أثرها لغير الفاعل، صار واجبًا على المسلم اجتناب محيطها حتى لا يصيبه شؤمها، ولذا لا يجوز للمسلم أن يحضر مجلس شرب الخمر وإن لم يشرب، ما لم تقم ضرورة أو حاجة، وكذلك مجلس غيبة أو نميمة، أو تهتك وخلاعة وإن لم يشارك.
ووجود رجلين معلنين بالمثلية في حيز واحد يكفي للمجانبة حتى وإن لم يريا أو يتلبسا بالفعل المحرم.
أما قول من يقول: فإنه يدفع مقابل منفعة مباحة. فالإباحة لا تقع على عين الفعل فقط، وإنما على ما يقع به تحصيله أيضًا؛ لأن الوسيلة تأخذ حكم الغاية، والغاية تتأثر بالوسيلة، فلا يصح مثلا أن يذهب مسلم لمرقص ليلي طلبا للعشاء الذي هو مباح في أصله، قال تعالى: ﴿‌وَإِذَا ‌رَأَيْتَ ‌الَّذِينَ ‌يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام: 68]. والقاعدة: (أن الغاية النبيلة لا تسلم من أثر الوسيلة القبيحة).
ومخالطة قوم لوط أدت إلى عقوبة المخالط وإن لم يكن فاعلا، وهذا لم يقع لا في كفر أو شرب، فلا قياس.
أما بالنسبة لمسألة لو كان المؤجر الفاسق يقيم في مكان بعيد لا يراه فيه المستأجر ولا يخالطه؛ فالأمر بهذا الحال أخف ممن يساكن المثلي أو المثلية، ومرد الحكم فيه باب السياسة الشرعية؛ فإن ظهر للجمع أو الفرد مقاطعة هذا النوع من باب الزجر فله ذلك، وإلا فالأصل هو جواز البيع والشراء مع أهل المعاصي ممن لا يستعمل ماله في نشر المعصية.
فلا بد أن نفرق بين الفاعل والداعي، كما هو الحال مع أهل البدع والضلال، فلا نسوي بين الضال في نفسه، والضال في نفسه المضل لغيره أو المحتمل.
المفتي: د خالد نصر