أولا: لا بد أن نقرر أمرًا عامًّا قبل أن نعلق على موضوع السؤال:
هناك فرق بين رواية الحديث، وبين فهمه وفقهه.
وهناك فرق بين صحة الحديث وضعفه، وبين العمل بمقتضاه.
وبيان ذلك أن الراوي ليس بالضرورة ممن يفقه ما يروي، وقد أعطينا مثلا بذلك بمحفظي القرآن، فهم في الحفظ والرواية على درجة من الإتقان، ولكن الكثير منهم لا يكاد يفقه تفسير السورة القصيرة، على حين يفقهه من ليس على ذات الدرجة من الحفظ والإتقان إذا كان من أهل صنعة التفسير، ولكل حظه ونصيبه من العلم.
وكذلك يقال في العلاقة بين صحة السند وضعفه وبين العمل بالرواية.
فقد يصح السند ولا يُعمل به، وقد يضعف السند ويستطير العمل به، وقد أعطينا أمثلة على ذلك في فتوى سابقة. ولكن على عجالة نعطي مثلا:
فحديث ابن عباس في طلاق الثلاث في مجلس واحد، صحيح وهو عند الإمام مسلم، ومع ذلك لم يعمل به أصحاب المذاهب الأربعة، واعتمدوا الطلاق بالعدد.
وبالعكس قاعدة (كل قرض جر نفعًا)، لم تصح بها رواية مرفوعة ومع ذلك اعتمدها أصحاب المذاهب الأربعة.
فيحسن التفريق بين الرواية وفقه الرواية.
ثانيا: الشيخ الألباني عالم في الرواية والرجال، وليس فقهيًا كما هو معلوم، وأتباعه يحملونه أكثر مما يدعيه عن نفسه، فينقلون عنه مشافهة ومجالسة الكثير من الكلام في الفقه والتفسير والعقائد، وهذا ظلم للعالم.
فكلام العجالة والمجالس يختلف عن كلام التصنيف وصنعة الفقه، وليس كل واحد يحسن في مشافهته ما يحسنه في صنعة كتابته حيث تتوافر له أسباب الكتابة من مراجع ووقت. ولذا كره البعض فقه المناظرة لما فيه من العجلة ما ليس في الكتابة من روية وتدبر ومراجعة.
والشيخ الألباني اشتهر في علم صنعة الحديث، وليس له في صنعة الفقه والأصول وعلم الكلام إلا ما قل مع أنه ألف عشرات الكتب، بل حتى هذا القليل صنعه على مقتضى الرواية وليس على طريقة الفقهاء.
ليس هذا فقط؛ بل إن الشيخ الألباني له فتاوى شاذة منقولة عنه ومنها:
– عصمة الأنبياء ليست عصمة مطلقة.
– يجوز أن ينسى الرسول صلى الله عليه وسلم الآيات التي بلغها للناس.
– المطالبة بهدم القبة النبوية وإخراج قبر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مسجده.
– الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليس هو أفضل الخلائق عند الله.
– المطالبة بعدم مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإطرائه.
– تحريم السفر لزيارة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
– تحريم تقبيل المصحف الشريف وجعل تقبيله من البدع والضلالة.
– على أهل فلسطين أن يغادروا بلدهم ويهاجروا منها.
– لا يجوز تعزية ذوي الميت عند القبور، ولا يجوز الاجتماع في مكان أو ديوان لتقديم التعزية.
– اتخاذ يوم الجمعة عطلة بدعة.
– تحريم لبس الذهب المحلق للنساء.
إلى غير ذلك من الفتاوى الفقهية التي خالف فيها جمهور الفقهاء والمذاهب، بل وطعن في بعضها في فهم المذاهب وفي طريقة نقلها.
ثالثا: بالنسبة لصوم يوم السبت منفردًا فقد ورد في النهي عنه حديث عبدِ الله بنِ بُسْرٍ عن أُخته الصمَّاءِ رضي الله عنهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يومَ السبتِ إلَّا فيما افتَرَضَ اللهُ عليكم، فإنْ لم يَجِدْ أحَدُكم إلَّا لِحاءَ عِنَبةٍ أو عودَ شَجرةٍ فلْيَمضُغْه» [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد في مسنده].
وهذه الرواية هي العمدة عند من يحرم صوم يوم السبت منفردًا، ولكنها لا تصلح دليلا للآتي:
– ضعف الرواية.
– الاضطراب في الرواية.
– مخالفة الأقوى.
– احتمال المعنى.
١- ضعف الرواية:
علق الكثير من الرواة على رواية صوم السبت هذه ووصفوها بالضعف والاضطراب، ومن هذا:
قال مالك: هذا كذب.
وقال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن سعيد يتقيه وأبى أن يحدثني به. مع أن أحمد رواه في المسند.
وقال النسائي: حديث مضطرب.
وقال ابن حجر: رجاله ثقات إلا أنه مضطرب. وقال: فيه اضطراب شديد.
وقال ابن تيمية: روي عن السلف أنهم أنكروه.
٢- الاضطراب في الرواية:
هذا الحديث مضطرب في روايته فتارة يجعل من مسند الصماء، وتارة يجعل من مسند عائشة، وتارة من مسند عبد الله بن بسر، وفي بعض الطرق يقول عبد الله بن بسر عن عمته، ومرة عن خالته، ومرة عن أخته. فطرقه متعددة مضطربة.
٣- مخالفة الأقوى:
وهي روايات عدة يفهم منها جواز إفراد يوم السبت بصوم، وأذكر بعضها مختصرًا.
– حديث عائشة وفيه: “لم يكُنْ يُبالي من أيِّ أيام الشهر يصومُ”.
– حديث عبد الله بن عمرو: «صُمْ يومًا وأفْطِرْ يومًا، فذلك صيامُ داوُدَ عليه السلام وهو أفضَلُ الصيامِ». ولم يستثن السبت أو غيره مع قيام الاحتمال.
٤- احتمال المعنى:
حتى لو افترضنا صحة الرواية، فالمعنى محتمل بتخصيص يوم السبت، لا مجرد صومه، والتخصيص فيه شبهة مشابهة اليهود في احتفائهم بيوم السبت، فمن خص كل سبت بالصوم وقع عليه الحظر للمشابهة، وإلا فيوم السبت كباقي الأيام.
وعلى هذا فلا حرج في صوم يوم السبت إذا جاء في مناسبة صوم كيوم عرفة أو عاشوراء أو عادة كصوم يوم وإفطار يوم، أو وفاء نذر.
المفتي: د خالد نصر
هناك فرق بين رواية الحديث، وبين فهمه وفقهه.
وهناك فرق بين صحة الحديث وضعفه، وبين العمل بمقتضاه.
وبيان ذلك أن الراوي ليس بالضرورة ممن يفقه ما يروي، وقد أعطينا مثلا بذلك بمحفظي القرآن، فهم في الحفظ والرواية على درجة من الإتقان، ولكن الكثير منهم لا يكاد يفقه تفسير السورة القصيرة، على حين يفقهه من ليس على ذات الدرجة من الحفظ والإتقان إذا كان من أهل صنعة التفسير، ولكل حظه ونصيبه من العلم.
وكذلك يقال في العلاقة بين صحة السند وضعفه وبين العمل بالرواية.
فقد يصح السند ولا يُعمل به، وقد يضعف السند ويستطير العمل به، وقد أعطينا أمثلة على ذلك في فتوى سابقة. ولكن على عجالة نعطي مثلا:
فحديث ابن عباس في طلاق الثلاث في مجلس واحد، صحيح وهو عند الإمام مسلم، ومع ذلك لم يعمل به أصحاب المذاهب الأربعة، واعتمدوا الطلاق بالعدد.
وبالعكس قاعدة (كل قرض جر نفعًا)، لم تصح بها رواية مرفوعة ومع ذلك اعتمدها أصحاب المذاهب الأربعة.
فيحسن التفريق بين الرواية وفقه الرواية.
ثانيا: الشيخ الألباني عالم في الرواية والرجال، وليس فقهيًا كما هو معلوم، وأتباعه يحملونه أكثر مما يدعيه عن نفسه، فينقلون عنه مشافهة ومجالسة الكثير من الكلام في الفقه والتفسير والعقائد، وهذا ظلم للعالم.
فكلام العجالة والمجالس يختلف عن كلام التصنيف وصنعة الفقه، وليس كل واحد يحسن في مشافهته ما يحسنه في صنعة كتابته حيث تتوافر له أسباب الكتابة من مراجع ووقت. ولذا كره البعض فقه المناظرة لما فيه من العجلة ما ليس في الكتابة من روية وتدبر ومراجعة.
والشيخ الألباني اشتهر في علم صنعة الحديث، وليس له في صنعة الفقه والأصول وعلم الكلام إلا ما قل مع أنه ألف عشرات الكتب، بل حتى هذا القليل صنعه على مقتضى الرواية وليس على طريقة الفقهاء.
ليس هذا فقط؛ بل إن الشيخ الألباني له فتاوى شاذة منقولة عنه ومنها:
– عصمة الأنبياء ليست عصمة مطلقة.
– يجوز أن ينسى الرسول صلى الله عليه وسلم الآيات التي بلغها للناس.
– المطالبة بهدم القبة النبوية وإخراج قبر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مسجده.
– الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليس هو أفضل الخلائق عند الله.
– المطالبة بعدم مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإطرائه.
– تحريم السفر لزيارة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
– تحريم تقبيل المصحف الشريف وجعل تقبيله من البدع والضلالة.
– على أهل فلسطين أن يغادروا بلدهم ويهاجروا منها.
– لا يجوز تعزية ذوي الميت عند القبور، ولا يجوز الاجتماع في مكان أو ديوان لتقديم التعزية.
– اتخاذ يوم الجمعة عطلة بدعة.
– تحريم لبس الذهب المحلق للنساء.
إلى غير ذلك من الفتاوى الفقهية التي خالف فيها جمهور الفقهاء والمذاهب، بل وطعن في بعضها في فهم المذاهب وفي طريقة نقلها.
ثالثا: بالنسبة لصوم يوم السبت منفردًا فقد ورد في النهي عنه حديث عبدِ الله بنِ بُسْرٍ عن أُخته الصمَّاءِ رضي الله عنهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يومَ السبتِ إلَّا فيما افتَرَضَ اللهُ عليكم، فإنْ لم يَجِدْ أحَدُكم إلَّا لِحاءَ عِنَبةٍ أو عودَ شَجرةٍ فلْيَمضُغْه» [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد في مسنده].
وهذه الرواية هي العمدة عند من يحرم صوم يوم السبت منفردًا، ولكنها لا تصلح دليلا للآتي:
– ضعف الرواية.
– الاضطراب في الرواية.
– مخالفة الأقوى.
– احتمال المعنى.
١- ضعف الرواية:
علق الكثير من الرواة على رواية صوم السبت هذه ووصفوها بالضعف والاضطراب، ومن هذا:
قال مالك: هذا كذب.
وقال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن سعيد يتقيه وأبى أن يحدثني به. مع أن أحمد رواه في المسند.
وقال النسائي: حديث مضطرب.
وقال ابن حجر: رجاله ثقات إلا أنه مضطرب. وقال: فيه اضطراب شديد.
وقال ابن تيمية: روي عن السلف أنهم أنكروه.
٢- الاضطراب في الرواية:
هذا الحديث مضطرب في روايته فتارة يجعل من مسند الصماء، وتارة يجعل من مسند عائشة، وتارة من مسند عبد الله بن بسر، وفي بعض الطرق يقول عبد الله بن بسر عن عمته، ومرة عن خالته، ومرة عن أخته. فطرقه متعددة مضطربة.
٣- مخالفة الأقوى:
وهي روايات عدة يفهم منها جواز إفراد يوم السبت بصوم، وأذكر بعضها مختصرًا.
– حديث عائشة وفيه: “لم يكُنْ يُبالي من أيِّ أيام الشهر يصومُ”.
– حديث عبد الله بن عمرو: «صُمْ يومًا وأفْطِرْ يومًا، فذلك صيامُ داوُدَ عليه السلام وهو أفضَلُ الصيامِ». ولم يستثن السبت أو غيره مع قيام الاحتمال.
٤- احتمال المعنى:
حتى لو افترضنا صحة الرواية، فالمعنى محتمل بتخصيص يوم السبت، لا مجرد صومه، والتخصيص فيه شبهة مشابهة اليهود في احتفائهم بيوم السبت، فمن خص كل سبت بالصوم وقع عليه الحظر للمشابهة، وإلا فيوم السبت كباقي الأيام.
وعلى هذا فلا حرج في صوم يوم السبت إذا جاء في مناسبة صوم كيوم عرفة أو عاشوراء أو عادة كصوم يوم وإفطار يوم، أو وفاء نذر.
المفتي: د خالد نصر