(ف364) أنوي خوض اختبار في الهندسة يطول مدته ٦ ساعات، وسيبدأ قبل صلاة الظهر بنحو نصف ساعة. فهل يجوز تقديم صلاة الظهر؟ وإذا جاز تقديم صلاة الظهر، هل يجوز أيضا جمع صلاة العصر بحكم أن الاختبار سيطول مدته إلى بعد صلاة العصر؟

الجمع للصلوات المقصود به أن يجمع المصلي بين فرضين في الصلاة في وقت أحدهما، مما يقبل وقته الجمع وهو الليل والنهار، سواء كان هذا الجمع مع تمام الصلاة أو مع قصرها، وسواء كان ذلك في الحضر أو في السفر.
والأوقات التي تقبل الجمع هي الظهر مع العصر تقديمًا في وقت الظهر، أو تأخيرًا لوقت العصر. والمغرب مع العشاء سواء كان ذلك تقديمًا في وقت المغرب أم تأخيرًا في وقت العشاء.
ولجمع الصلاة أحكام نفصلها في الآتي:
الأول: الجمع المتفق عليه:
وهو جمع الظهر مع العصر في وقت الظهر في عرفة، والمغرب مع العشاء في وقت العشاء في مزدلفة: وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم بإجماع الرواة في حجه.
الثاني: الجمع في السفر في غير عرفة ومزدلفة:
وقد اختلف العلماء في جواز ذلك:
١- ذهب الجمهور لجواز الجمع في السفر سواء كان مع القصر أو مع التمام، وهو الرأي عند المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول سعيد بن زيد، وسعد، وأسامة، ومعاذ بن جبل، وأبي موسى، وابن عباس، وابن عمر. وبه قال طاوس، ومجاهد، وعكرمة، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر وغيرهم.
٢- ذهب السادة الأحناف إلى أنه لا جمع في السفر، والصورة التي يمكن أن يترخص فيها أن يؤخر الفرض الأول لآخر وقته، ويقدم الثاني لأول وقته، فيكون جمعًا في الصورة لا في الحقيقة، ولذا يكون بين الظهر والعصر حوالي عشرين دقيقة، وبين المغرب والعشاء حوالي عشر دقائق. وهو ما يسمى الجمع الصوري في مذهب الأحناف.
هذا وقد فرق بعض المالكية الذين يقولون بالجمع بين حال المسير وحال الاستقرار، فقالوا به مع الجد والمسير دون حال القرار.
الثالث: الجمع للمطر (ومثله الثلج والريح الشديدة والوحل):
١- ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز جمع الصلوات لمثل هذه العوارض سواء كانت صلاة الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء.
واستدلوا لذلك بالمشقة.
وكذلك بما رواه مسلم عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: “جمَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهرِ والعَصرِ والمغربِ والعِشاءِ بالمدينةِ من غيرِ خوفٍ ولا مَطرٍ. فقيل لابن عَبَّاسٍ: ما أرادَ إلى ذلك؟ قال: أرادَ ألَّا يُحرِجَ أُمَّتَه”. فدل الحديث بالإشارة إلى أن الجمع للمطر كان حكمه مستقرًّا حتى زادت الرواية عليه غيره.
٢- ذهب المالكية لجواز الجمع بين الظهر والعصر دون المغرب والعشاء في حالة المطر
وذلك لعدم الحاجة للخروج في الليل في حالة المطر.
٣- ومذهب الأحناف أنه لا جمع إلا بالصورة كما بيناه.
بقي أن أشير هنا إلى أن الجمع هنا يخص جماعة المسجد، أما من يصلي في بيته أو في عمله فلا جمع له هنا لأنه لا يتكلف الخروج من مكانه فليس له رخصة الجمع.
الرابع: الجمع للاستحاضة والإرضاع:
والاستحاضة هي أن يسيل الدم في غير وقت العادة الشهرية.
١- ذهب الجمهور إلى أن المستحاضة لا تجمع الصلاة، بل تصلي لكل وقت كغيرها، ولا فرق بينها وبين غيرها.
٢- وذهب بعض الحنابلة -وهو اختيار ابن تيمية والشوكاني- إلى جواز جمع المستحاضة، واستدلوا بما رواه الترمذي وغيره: عن حَمْنةَ بِنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها استفتَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الاستحاضةِ، فقال لها: «فإنْ قَويتِ على أنْ تُؤخِّري الظُّهرَ، وتُعجِّلي العَصرَ، فتَغتسلينَ وتَجمعينَ بين الصَّلاتينِ، فافعلي».
وألحق هؤلاء المرضع بالمستحاضة إن وقع لها مشقة في ملابسها من نجاسة فضلات رضيعها.
الخامس: الجمع للخوف:
والخوف هنا يمكن أن يكون من عدو ظاهر كالمطارد والمتخفي، أو من عدو مترقب كالمرابط، وقد اختلف العلماء في جواز الجمع لذلك:
١- ذهب الجمهور من الأحناف والمالكية في قول والشافعية أنه لا جمع للخوف؛ لأن للخوف صلاة على مقتضى الحال؛ قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة 238 – 239] فقوله (رجالا أو ركبانا) أي: صلوا على أي حال تستطيعون ولو وأنتم تسيرون أو تركبون، بالفعل وبالإشارة.
وعلى ذلك فلا حاجة للجمع.
٢- ذهب الحنابلة وهو قول للمالكية وقول عند الشافعية واختاره ابن تيمية أنه يجوز الجمع للخائف.
واستدلوا بحديث ابن عباس وفيه: “من غير خوف..” فدل بمفهومه أن الخوف مبيح للجمع بالأصالة.
السادس: الجمع لغير علة أو لرفع حرج مظنون:
وذلك كالطالب يذاكر للامتحان، أو لمكلف لا يصبر على السهر لعشاء متأخر، أو لطبيب منشغل بمرضاه …
اختلف الفقهاء في حكم ذلك الجمع:
١- فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز الجمع في غير ما جاء الدليل به، وقامت به الحاجة أو وقع بغيره الحرج الشديد؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]. فلا بد أن يكون هناك سبب معتبر لتغيير أوقات الصلاة، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]. والجمع يخالف التأقيت فلا يكون إلا لسبب.
٢- ذهب إلى جواز هذا الجمع بعض الحنابلة وانتصر له ابن تيمية، وهو قول جماعة من العلماء والمحدثين كما نقل النووي حيث قال في شرحه على مسلم: ‏(وذهب جماعةٌ من الأئمة إلى جواز ‏الجمع في الحَضَر للحاجة، لمن لا ‏يتَّخِذُه عادة. وهو قول ابن سيرين، ‏وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه ‏الخطابي عن القفال، والشاشي الكبير ‏من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق ‏المروزي، عن جماعة من أصحاب ‏الحديث، واختاره ابنُ المنذر).
واستدلوا بحديث ابن عباس قال: “جمَعَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهْرِ والعَصْرِ، وبين المغْرِبِ والعِشاءِ بالمدينةِ، من غَيْرِ خَوْفٍ ولا مَطَرٍ”. ولما سئل عن السبب قال: “أراد ألا يحرج أمته”٠ فاعتبروا رفع الحرج عامًّا في كل ما اعتبره صاحبه حرجًا.
وعلى هذا الرأي الأخير تتخرج كثير من الصور ومنها:
– الطالب الذي يحضر لامتحانه.
– الباحث الذي يكتب بحثا ولا يريد أن يقطع أفكاره.
– الطبيب الذي يعالج مرضاه أو الذي يقوم بعمليات جراحية طويلة لا تحتمل الانقطاع.
– العامل الذي يقف أمام ماكينة مدة طويلة ولا يحسن أن يتركها.
– المرأة التي تنشغل بعمل بيتها وأولادها في النظافة وإعداد الطعام.
– الحارس والعساس الذي يحسن به ملازمة مخفرته.
– الشيخ الكبير والمرأة المسنة اللذان يرهقهما كثرة الحركة للوضوء والصلاة.
– من به سلس بول أو يحتاج الحمام بصورة كثيرة.
– السائق العامل على الطريق سواء كان لنفسه أو لنقل غيره بشرا أو بضاعة.
وكل من وقع له حرج بانتظار الصلاة الأخرى.
والذي أراه أن يكون هذا إفتاء وليس حكمًا، بمعنى أن يأخذ المصلي فتوى بصلاح حاله لهذه الرخصة من مفتيه لا باجتهاده هو، وإلا بطل تأقيت الصلاة للاعتبارات الخاصة.
هذا والله أعلم.
المفتي: د خالد نصر