(ف372) ما رأي الإسلام في العمليات الاستشهادية وهي إرسال شخص لتنفيذ مهمة قد تودي بحياته.

أولا: الأصل في الإسلام هو عصمة الأرواح لقوله تعالى: ﴿‌وَلَا ‌تَقْتُلُوا ‌أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29].
وحفظ النفس مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية ومقدم في كثير من الأبواب على غيره من المقاصد ومنها حفظ الدين.
وعلى ذلك يحرم على المسلم قتل نفسه، أو إهلاكها كلًّا أو جزءًا بغير ما جاء الشرع باستثنائه، وقتل النفس من الكبائر.
ثانيا: هناك فرق بين الانتحار الذي هو قتل النفس وبين الانغماس في العدو بقصد الجهاد والمدافعة:
فالانتحار هو الفعل الذي يتضمن تسبب الشخص عمدًا في قتل نفسه، ويقع الانتحار غالبًا بسبب اليأس، والذي كثيرًا ما يُعزى إلى اضطراب نفسي مثل الاكتئاب أو الهوس الاكتئابي أو الفصام أو إدمان الكحول أو تعاطي المخدرات؛ فهو نتاج مرض أو عارض أهلي.
أما الانغماس فهو نوع من الجهاد ويقصد به الالتحام المباشر بالعدو، ما يجعل فرصة الاستشهاد والموت أعلى من غيرها.
فهجوم الموجات الأولى في الحرب مثلا هو نوع من الانغماس، وعمليات الصاعقة في أرض العدو انغماس، وعمليات الاستطلاع هي انغماس؛ لأن فيها اندماجًا بين المقاتل وبين عدوه بمخاطرة كبيرة.
والانغماس في الإسلام نوع من القتال له ما يؤيده ومنه:
١- أن صهيبًا خرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلحق به المشركون وهو وحده، فنثل كنانته، وقال: والله لا يأتي رجل منكم إلا رميته. فأراد قتالهم وحده، وقال: إن أحببتم أن تأخذوا مالي بمكة فخذوه، وأنا أدلكم عليه. ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى». فنزل قوله تعالى: ﴿‌وَمِنَ ‌النَّاسِ ‌مَنْ ‌يَشْرِي ‌نَفْسَهُ ‌ابْتِغَاءَ ‌مَرْضَاتِ ‌اللَّهِ ﴾ [البقرة: 207].
٢- في حديث العمل في العشر الأوائل من ذي الحجة لم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم إلا «رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء». وفي رواية: «مَنْ عُقِرَ جوادُه وأهريق دمه».
٣- روى أحمد بإسناده: “أن رجلا حمل وحده على العدو، فقال الناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كلا بل هذا ممن قال الله فيه: ﴿‌وَمِنَ ‌النَّاسِ ‌مَنْ ‌يَشْرِي ‌نَفْسَهُ ‌ابْتِغَاءَ ‌مَرْضَاتِ ‌اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207]”.
٤- يستدل لذلك أيضا بفتى الأخدود وقصته مشهورة معروفة حيث ضحى بنفسه لنصرة الدين.
٥- ومنه كذلك فعل البراء بن عازب في حرب اليمامة حيث ألقي به من خلال الجدار فكان بين المرتدين وحده كي يفتح الباب.
فهذا ونظائره نوع من الحرب والتنكيل بالعدو، وهو يقع من المسلمين ومن غيرهم.
فقد قام به اليابانيون في الحرب العالمية الثانية بكثرة، وقام الحلفاء بمثله في عملية ماركت جاردن في أواخر الحرب العالمية الثانية حيث تم إنزال الآلاف خلف خطوط الألمان في هولندا، والتي انتهت بمقتلة كبيرة للحلفاء.
وهو ما قامت به أيضا الأفواج الأولى التي عبرت قناة السويس في حرب ١٩٧٣ بيننا وبين الصهاينة، وقد كانت ترجيحات السوفييت أن يُقْتَلَ منهم خمسة وعشرون ألفا من ثمانين ألفا يحاولون العبور.
فكل هذا يسمى انغماسًا في العدو، وهو نوع من الحرب والتضحية، يحتسب فيه المقاتل نفسه لما يؤمن به، وفي الإسلام يحتسب نفسه شهيدا عند الله.
أما ما جاء في صيغة السؤال فهذا باب من أبواب السياسة الشرعية، وليس فيه قاعدة فقهية عامة، وإنما مرده إلى حال الصولة والجولة، والذي يفتي فيه أهل الحال أنفسهم، فلا يفتي قاعد لمجاهد، ولا يفتي بعيد لقريب.
والقاعدة في هذا: (لا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في أهله ولا سلطانه‏).
بل الحكم لأهل كل بلد وعلى مقتضى واقعهم.
ولكن هنا ننبه أن من يعيش بين الناس بأمانهم أو في بلد بأمان أهله لا يجوز له بحال أن يقوم بمثل هذه الأعمال، فيقتل الأبرياء، فهذا غدر وقتل لنفس معصومة بعهد الأمان، وفاعله مرتكب لكبيرة قتل النفس، ولا يشفع له تأول ولا تأويل.
وهذا هو الحال في أكثر الأرض الآن، ولا يستثنى من ذلك إلا مواطن الحرب.
وكذلك ما يقوم به بعض المتشددين ويسمونه استشهادًا، فيقتلون الأبرياء ويخربون عمارة الأرض، فكل هذا محرم ومجرم وهو فكر الخوارج والدواعش الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأُقَتِّلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».
المفتي: د خالد نصر